مخلوف عامر - جدبرٌ بأنْ يُقرأ السينما وحرب التحرير الجزائر، معارك الصُّور- لـ:(أحمد بجاوي)
بواسطة 2015-06-17 01:44:01

د.مخلوف عامر
لم يتعرَّض المؤرخون لهذا الموضوع. وإذا تناوله بعض الدارسين فليس بالتفصيل والدقة كما في هذا الكتاب. فقد كان لا بد أن يلتفت إليه واحد مثل الأستاذ (أحمد بجاوي) وهو الذي قضى شطراً طويلاً من حياته يتابع حركة الصورة وتلوُّناتها واستمر حاضراً في الساحة الثقافية على الدوام.
في هذا البحث يعيدنا المؤلف إلى صفحة ناصعة من تاريخ الحركة الوطنية وقد ظلت مطوية بسبب أن التركيز تمحور حول السلاح وحامليه. بينما كان للصورة دورٌ لا يقل أهمية عن البندقية والرصاصة. خاصة بعدما تجاوزت ما يُكتب وما يُذاع، وبعدما تفطَّن بعض من قادة الثورة إلى أن الصورة أصبحت تشكل سلاحاً خطيرً لطالما استعملته فرنسا المستعمِرة في دعايتها سواء بالترويج لرسالتها الحضارية أو بتقديم الجزائر في صورة بطاقة بريدية جميلة تستهوي المستوطنين وترسِّخ لديهم فكرة أن الجزائر قطعة من بلاد الغال.
فقد أنشأ جيش التحرير الوطني ثم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية مصلحة للتصوير السينماتوغرافي تحت إشراف( جمال شندرلي)، كما كان لـ(امحمد يزيد ) فضل كبير في هذا المسعى. ولما عُرض فيلمان جزائريان(( على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة تمَّ تصميمُهما لتحضير الديبلوماسيين للاعتراف بحق الجزائريين في تقرير المصير، فقد أبكى فيلم "ياسمينة" الحضور وأظهر فيلم" بنادق الحرية" عزيمة شعب بكامله)).ص:14
ويبيِّن (أحمد بجاوي) في التمهيد كيف أن المقاومات الشعبية هي أصل الحركة الوطنية. وحيث أنتجت أفلام الخيال الوثائقية و"قُطَّاع الطرق الشرفيين" أمثال بوزيان القلعي والجيلالي القطَّاع وابن زلماط، فكان منها (( الخارجون عن القانون)) و(( ريح الأوراس)) و(( الطارفة))و((نوة)) وغيرها. بالإضافة إلى الأفلام التي ستنْكبُّ على كشف النقاب عن ليل الاستعمار، وأخرى ستصوِّر مجازر 8 ماي 1945. والواقع أن هذه الأفلام التي تستحضر التاريخ كانت تزعج فرنسا ما جعل المؤرج(بنيامين ستورا) يقول: (( إنها المرة الأولى التي نقدم فيها سطيف في فيلم خيالي.ففي الجزائر يُعتبر هذا أمراً مقبولاً وفي فرنسا يبدو أن البعض لا يزال لم يتقبل بعد إنهاء الاستعمار، فعندما يتعلق الأمر بمسألة حرب الجزائر، تندلع هناك معارك الذاكرة))ص:36
خاض الجزائريون معركة الإعلام بكل ثقة حيث((وقبل شهر من اعتقاله، أشرف (محمد بوضياف) الذي كان يتنقل بين القاهرة والمغرب، بتطوان على تنصيب نواة مصلحة الإعلام لتحل محل نواة القاهرة. فقد التحق بها كل من محي الدين صادق موساوي وحسين بوزاهر، أحمد بوعبدللي، زهير ايحدادن، عبد القادر نور، لمين بشيشي، وكل من عبد الله وعبد الرحمن شريط،عيسى مسعودي وعبد المجيد مزيان، محمد الميلي، ورضا مالك،وفرانتز فانون لتكملة المجموعة التي ستتولَّى صياغة العدد رقم8 من المجاهد)).ويضيف في موضع آخر قائلاً: ((وكان العربي بن مهيدي بدوره، قد كلف عبد الحفيظ بوصوف بإنشاء نظام للاتصالات اللاسلكية الذي أدى إلى خلق صوت الجزائر))ص:59
لكن هذه الجهود لم تقتصر على الجزائريين، إذْ التحق بالثورة متعاطفون أجانب منهم: رونيه فوتييه ،بيار كليمنت ، يان لو ماسون، سيسيل دوكوجيس،ستيفان لابودفيتش، زدرافكو بيكار، كارل غاس...وكانت شبكات الدعم في فرنسا تنشط لصالح الثورة أيضاً وفي مقدمتها (حملَة الحقائب)، أولئكم الرجال والنساء الذين امتلكوا الشجاعة المبدئية النادرة في الوقوف ضد النظام الفرنسي من أجل مناصرة القضية الجزائرية، وعانوا بدورهم من القمع والمطاردة.
فالسينما الجزائرية ولدت مع حرب الاستقلال وفضحت الممارسات الاستعمارية بما فيها التجارب النووية بالقرب من رقَّان حيث رُبط المساجين الجزائريون إلى أوْتاد.
وعلى طول الكتاب يصادف القارئ عناوين متنوعة ومثيرة مثل: ((النساء في التمثيل الفيلموغرافي-المرأة كرابط اجتماعي-آسيا جبار ومصالحة السينما مع التاريخ- المرأة في المعركة، بارباروس أخواتي- الطفولة والحرب- الكاميرات تدعم البنادق– عبد القادر شندرلي، امحمد يزيد وكينيدي- الخطاب الجزائري لكينيدي- محققون أمريكيون في الجبال- تدويل النزاع في وسائل الإعلام-1962 نهاية حرب البنادق ولكن ليس حرب الصور))..الخ
طبعاً من المستحيل أن تعبر هذه الإشارات المختصرة عن مضمون كتاب يمتد على ما يقرب من 350 صفحة، بقدر ما تكون تشويهاً لجهد لا شك استغرق سنوات من المتابعة والبحث ليقدم لنا(أحمد بجاوي) مشكوراً، جانباً أساسياً ظل غائباً أو مُغَيَّباً من تاريخنا الوطني. خاصة وأن القارئ يشعر بهذه الروح الوطنية التي تسري بين السطور ويحصِّل –في الوقت نفسه- زاداً من المعلومات التي لا تتوفَّر في سائر الكتب التاريخية المعروفة. إننا لا نتعرَّف -من خلال هذا الكتاب- على باحث جاد وحسب، وإنما نتعرَّف أكثر على واحد من رموز الثقافة الوطنية المخلصين.
ولو أن ترجمة الكتاب إلى العربية حظيت بمراجعة لغوية لكان أفضل، ولأمكن أيضاً حذف بعض الفقرات المكررة خطأً. لكن ذلك لا يحول دون تحصيل فائدة أكيدة.
السينما وحرب التحرير، الجزائر، معارك الصُّور- لـ:(أحمد بجاوي)،ترجمة،مسعود جناح،منشورات الشهاب 2014

شوهد المقال 1982 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك