أحمد سعداوي - تدمير بيت الذاكرة
بواسطة 2015-05-03 02:33:55

أحمد سعداوي
1 ـ
ما زلت أتذكر تلك الحكاية التي أوردتها مقالة مترجمة في أحدى المجلات العراقية أواخر التسعينيات، عن خطة لبلدية مدينة أميركية لإعادة بناء وسط المدينة بما يتناسب والزيادة السكانية والحاجات المتزايدة للخدمات ومواكبة مجمل التطورات الحاصلة في حياة سكان هذه المدينة.
كانت الخطة تتطلب ازالة مجموعة من الابنية والجسور والحدائق العامة، والمفاجأة أن الكثير من السكّان ما أن سمعوا بتفاصيل الخطة العمرانية الجديدة حتى خرجوا بمظاهرات رافضة.
يابه شنو السالفة... على كيفكم علينه...!!
لا يابه... انتو جاي تتدمرون "ذكرياتنا". صحيح هي مجرد بنايات والحديقة العامة هي حشيش وشكم شجرة.. بس لا... هنا اني تعرفت على حبيبتي، وهنا كان يمشي إبني أولى خطواته.
في هذا الزقاق لعبنا أنا واصدقائي. وفي هذه الكافتريا كنا نفطر كل صباح قبل الذهاب الى العمل... انها بنايات وحشائش وارصفة، ولكنها تحوي شيئاً أثمن... تحوي كينونة بشرية أغلى من البنايات والحشائش والأرصفة..
2 ـ
يرد دائماً في الافلام الهندية، على سذاجتها وتبسيطها، اشارات واضحة الى سخف التمييز بين الهنود والباكستانيين، كلهم في نهاية المطاف هنود. فعامل التقسيم الديني بين هندوس ومسلمين الذي كان مبرر انفصال الهند الى هندين؛ هند نجسة "الجمهورية الهندية"، وهند طاهرة "باكستان"، يبدو سخيفاً امام حقيقة وجود ملايين المسلمين الهنود داخل الجمهورية الهندية حتى بعد تأسيس باكستان. أو وجود مزارات واماكن مقدسة هندوسية وبوذية داخل الاراضي الباكستانية.
استمرت الهند النجسة في مواجهة سؤال التنوع ومحاولة الاجابة عليه، بينما الهند الطاهرة صارت هندين؛ باكستان الحالية وبانغلاديش. ومن الممكن طبعاً تقسيم باكستان الحالية الى اثنين او ثلاثة، هناك مبررات قوية، وربما حتى تاريخية لهذا التقسيم. وهذا درب الطاهرين الانقياء السخيف، بينما الامم النجسة تواجه قدرها بقوة وعقل وتحاول تقديم اجابات حكيمة.
3 ـ
يقال أن الشخص الذي يتحدث دائماً عن نيته بالانتحار، هو شخص لن ينتحر، وانما هو يريد أن يعيش انتحاراً نفسياً، أو يريد أن يرى ردة فعل الاخرين على انتحاره المرجأ. نية الانتحار هنا هي وسيلة لجذب اهتمام الآخرين أو اختبار مدى اهتمامهم.
الحديث عن التقسيم ليس سيئاً، وربما يساعدنا على التفكر والتأمل واختبار المصائر التي نتجه إليها.
هناك من يرى أننا دخلنا في عملية حقن بالابرة لفكرة التقسيم منذ 2003 أو حتى ما قبل ذلك، وأنه جرى "تربيتنا" على قبول التقسيم. خصوصاً مع خلق مصاديق على الأرض تعزز واقعية هذه الفكرة.
وهناك من يرى أنه الجنون بعينه، أن نتخذ قرارات تاريخية ومصيرية استناداً الى ظروف طارئة، وقديماً قال الامام علي [الذي تمرّ ذكرى ولادته اليوم] بما معناه؛ لا تستشر جائعاً ولا خائفاً ولا محتصراً [الذي يريد الذهاب الى الحمام يعني!]، لأن مشورته ستكون متأثرة بظرفه الطارئ.
نحن الآن لا نصلح لانتاج قرار مصيري من هذا النوع، لأننا واقعون تحت وطأة مشاعر انتجها ظرف طارئ [الحرب ليست حالة انسانية سائدة وانما هي ظرفية]. وعلينا أن نحصل، بالبداية، على الحد الأدنى من الطمأنينة، لنفكر باتخاذ القرارات المصيرية، قبل أن ندخل في شهوة التقسيم الاميبية، وقبل أن ندمر بيت ذكرياتنا الى الأبد.
شوهد المقال 980 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك