مخلوف عامر - جديرٌ بأنْ يُقرأ دراسة لرسالة التوابع والزوابع.للدكتور "بوشعيب الساوري".
بواسطة 2015-04-14 21:25:33

د.مخلوف عامر
النص والسياق ابن شهيد بين الرغبة الذاتية وإكراهات السياق الثقافي
كنت قد اطلعتُ على هذا الكتاب منذ مدَّة ، ولكني لما أردت مؤخراً أن أقدم لطلبتي أحد نصوص "ابن شهيد".وجدت من الضروري أن أعود إليه مرة أخرى. فما كان إلا أن استزدتُ فائدة.
يتكوَّن الكتاب من قسميْن:
الأول، يعرض فيه دواعي كتابة رسالة التوابع والزوابع، والثاني ، يعالج ظاهرة إثبات الذات وإرضاء السياق.
ينطلق الباحث في قراءته من أن النص الأدبي لا يمكن أن ننظر إليه منعزلاً مغْلقاً منفصلا ً عن الواقع، ولا يصحُّ أن ننظر إليه بوصفه انعكاساً آلياً للسياق.إنما ما يميِّزه هو هذا التفاعل والتداخل الذي يحفظ للأدب خصوصيته، ولا يُغفل بصمات الواقع.
فهذا النص القديم هو نتاج القرن الخامس الهجري، ولقد تركتْ تلك الظروف آثارها فيه. من حيث إن الأدب الأندلسي كان في طور التكوين ويوم كان الأدب المشرقي يُعَدُّ نموذجاً يُحتذى وكانت المعارضة إبداعاً.
والذات الكاتبة –بدوْرها- حاضرة. إذ عاش "ابن شهيد" فترة رخاء وتقدير ثم ما لبثت الأوْضاع أن تغيَّرت وكثر خصومه ولم يعد العيش يروق له وكأن وضْعَه صار أشبه بوضع البحتري حين زعزعه الدهر وراح يتسلَّى بإيوان كسرى.
ولمّا لم يستطع "ابن شهيد" أن يفرغ حمولته النفسية الشاقة في الواقع المباشر، ابتدع هذه القصة الخيالية يستحضر من خلالها الأسماء المعروفة في تاريخ الأدب العربي ليبرز تفوُّقه ويؤكد المكانة التي يستحقُّها.أمثال امرئ القيس والمتنبي وأبي نواس من الشعراء ، والجاحظ وعبد الحميد الكاتب وبديع الزمان الهمذاني من الكُتَّاب. إنه يعبر عن حالة نفسية مشحونة بالغضب وبالرغبة في الانتقام من الخصوم. (( إن نص التوابع والزوابع إلى جانب سعيه إلى تفوُّق ابن شهيد الأدبي والنقدي، ردُّ فعل ومقاومة نفسية تجاه ما تَعرَّض له من تهميش وعاشه من أزمة، نتيجة التقلبات السياسية والثقافية التي عرفها عصره، القرن الهجري الخامس))ص:27
فالسياق الثقافي تميز بهيْمنة الأدب المشرقي شعراً ونثراً، وازدهرت الحركة الأدبية عن طريق الرحلات المتعاكسة بين المشرق والأندلس، والمجالس الأدبية، بالرغم من الفتنة البربرية وعدم الاستقرار.
فإذا كان من الدواعي الذاتية لتأليفه هذه الرسالة شعورُه بالتفوُّق وما تعرَّض له من تهميش ، فإن من الدواعي الخارجية، قراءاته التي تراوحت بين ما هو رسمي من الثقافة العالِمة وتجربة النبوة ومقامات بديع الزمان، وما هو هامشي، كحكايات الجان وفكرة التوابع.
وهو يبرز تفوُّقه، إما عن طريق الافتخار بالذات والإعلاء من شأنها أو بأن يُثبت ذلك على لسان التوابع. فأما السخرية فقد اعتمد فيها على مُقَوِّميْن:
الأول: تقديم الخصم في صورة كاريكاتورية تبعث على الضحك
الثاني: ((السخرية عبر الإقناع والجدل والمناظرة وإبطال دعاوي الخصم))ص:66.
ويحضر السياق الثقافي على عدَّة مستويات هي : سلطة الذخيرة القائمة- سيطرة فكرة التقليد والمعارضة-حضور النماذج الأدبية التي كانت سائدة-التركيز على البُعْد الوظيفي للسرد-معالجة القضايا الأدبية والنقدية التي كانت متداولَة.
ثم يخلص الباحث إلى حصر آراء القدامى في أنهم أجمعوا على تفوُّقه الإبداعي من غير تعليل، وأن المحدثين أكَّدوا على أنه مقلِّد مع بعض الاستثناءات. بينما يقول د."الساوري": ((وبالتالي لم يستطع ابن شهيد التخلُّص من السابقين وظل منغلقاً وحبيساً للتقليد غير قادر على خلخلة السياق الذي يجري فيه الأدب وتلقِّيه. رغم إعلانه عن تفوُّقه، لأنه استعمل نفس المفاهيم والقضايا والقيم الجمالية التي كانت سائدة. وبالتالي الانمحاء أمام النماذج، التي لم يستطع التخلُّص منها. وإن ادَّعى أنه متفوِّق على رجال عصره، فهو يضاف إلى التوابع، نظراً لحاجته إلى وساطتهم(إجازاتهم)،ولم يقدر على الاستقلال عنهم. إنها سلطة النسق وسلطة الثوابت التي يصعب تجاوزها،إنها ابستميه العصر))ص:82
إن بحث الدكتور "بوشعيب الساوري" يؤكِّد كيف أن نصّاً قديماً يمكنه أن يصبح معاصراً لنا بفضل القراءة الجديدة. فهو يقدِّم لنا صورة عن "ابن شهيد" ورسالته بطريقة لم نعْهدها من قبل، ويسهِّل على القارئ عمليتيْ الاستيعاب والمراجعة عندما يذيِّل كل جزء من البحث بتركيب مركَّز وبلغة علمية دقيقة.
وقد كان وفيّاً لما أعلنه في المقدمة من أنه ينطلق من أن العمل الأدبي حصيلة تفاعل بين الذات المبدعة والمجتمع والتاريخ((ولذلك لن تنفع مع هذا الوضع التصورات الأحادية الجانب، مثل تلك التي تعد النص الأدبي بنية داخلية معزولة عن سياقها وملابسات إنتاجها، أو تلك التي رأت في النص الأدبي مجرد انعكاس للمجتمع، أو تلك التي جعلته تجربة نفسية خاصة بكاتبه)).ص:7
أخيراً، إني أتصوَّر أن هذه القناعة لديْه هي التي كانت تحرِّك مُخيِّلتَه وهو يكتب روايتيْه(غابت سعاد) ثمَّ (إصرار) حيث يحضر البُعد الاجتماعي بشكل واضح.
وليس لي إلا أن أقدِّر جهده وأن أشكره على ما حظيت به من متعة وفائدة.
الساوري بوشعيب، النص والسياق ابن شهيد بين الرغبة الذاتية وإكراهات السياق الثقافي دراسة لرسالة التوابع والزوابع،دار الحرف للنشر والتوزيع،المغرب، الطبعةالأولى 2007

شوهد المقال 3121 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك