حارث حسن ---- تصنيع الطوائف و "الجماعات " من خلال مسلسلي "المختار" و " عمر "
بواسطة 2014-11-21 20:12:30

حارث حسن
اقر بأن هذا المنشور له أغراض استفزازية.
كنت منذ عدة أشهر قد قررت مشاهدة مسلسلي "المختار" و "عمر" ، بسبب اهتمامي بالكيفية التي يجري فيها تصنيع الطوائف و"الجماعات" ، واعتقد ان مسلسلات من هذا النوع تطرح مثالاً لمحاولة صناعة "جماعة شيعية" و "جماعة سنية". ايقاظ هذه الشخصيات من كتب الماضي القديمة واعادة تقديمها في أخطر وسيلة اتصال في المنطقة، اي التلفزيون ، لا يحدث بالصدفة ، فالنسبة الساحقة من قنوات التلفزيون عندنا مرتبطة مباشرة او بشكل غير مباشر بالحكومات او بالتيارات السياسية او بالنخب المسيطرة.
ظلت المشاغل تمنعني من انجاز هذه المهمة ، حتى حظيت مؤخراً بمشاهدة حلقة واحدة من "المختار" ، واهمية هذه الشخصية بدأت تتصاعد مع تنامي عملية التطييف في المنطقة . لا يجوز لي تقديم تقييم من مشاهدة حلقة واحدة فقط ، لكن يمكنني القول ان مالفت انتباهي بشكل خاص هو الاصرار على ثيمة "ان الاسلام لايفرق بين الاقوام" وان "لا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى" ، ولا اعتقد ان الامر يتعلق فقط بمواجهة النزعة العنصرية الأموية التي تفشت حينذاك ، بل وأيضا بالطريقة التي تسعى فيها ايران الى صياغة روايتها الرسمية للاسلام والتشيع ، وهي رواية اهتمت كثيرا بتهميش العامل الاثني والقومي لصالح "الاخوة الدينية" في مواجهة عنصرية تاريخية عروبية اتخذت من مفهوم "الشعوبية" عقيدة لها لتهميش الفرس تحديدا ، لان هذا المفهوم نادرا ما استهدف الترك مثلا.
ارجح ان ما يقوله "المختار" في هذا المسلسل ، لا يتعلق كثيرا بالتاريخ بقدر تعلقه بالحاضر . فالمختار تحديداً هو شخصية شكلتها الميثولوجيا الى حد كبير لأنها تقع في صلب عقيدة المظلومية الشيعية ( واقترح عليكم قراءة كتاب لهادي العلوي وعلاء اللامي الذي يفكك فكرة ان الشيعة كانوا جماعة قائمة منذ عهد علي بن ابي طالب ، ويرى ان المرحلة التأسيسية للتشيع الاثنى عشري كطائفة كانت في زمن الامام الباقر، وينقد فكرة ان "الشيعة" كانوا دائماً مضطهدين في ظل الدولة الحديثة) .
في نص قديم كتبه دانييل بايبز في كتابه ، سوريا الكبرى ، يقول عن صعود حافظ الأسد لسدة السلطة هناك: "ان يتولى علوي حكم سوريا يشبه أن يصبح أحد أبناء الفئات المنبوذة في الهند ماهراجا او أن يتولى يهودي منصب القيصر في روسيا (طبعا كتب هذا قبل ان يصبح بوريس يلتسين الذي لديه بعض الجذور اليهودية رئيسا لروسيا) - لقد كان ذلك حدثا غير مسبوقا صدم الاغلبية (يقصد السنة) التي احتكرت السلطة لعدة قرون" - انتهى
ما يهمني في هذا النص والكثير من النصوص المماثلة ، هو تصورها الاحادي للهوية ، وهو على الاغلب لم يكن تصورا سائدا في ذلك الوقت الذي اصبح فيه الأسد الأب رئيسا. انا اعتقد ان الاسد وصل الى السلطة ليس عبر تأكيد علويته بل عبر اخفائها ، وان الاغلبية السنية على الارجح لم تنظر اليه بوصفه علويا فحسب ، لان هنالك تصنيفات اخرى للهوية كانت ذات اهمية تعادل او تفوق الخلفية الطائفية.
ينسحب الشئ نفسه على "الحكم السني" في العراق ، فانا اعتقد بأن هذا الحكم السني ما كان ليطول ثمان عقود لو كان يتصرف بوصفه "حكما سنياً" فحسب ، بل ان "سنية" الحاكمين كانت محدودة الحضور او مطموسة بهويات وعناصر اخرى
لا انفي هنا البعد الطائفي في كلا النظامين ، واختلاف الظروف التاريخية بين سوريا والعراق ، لكن ما اريد قوله هو ان الوعي بالهوية الطائفية ، سواء بالنسبة للحاكم او المحكوم ، وتحول هذه الهوية الى المنطلق الرئيسي لتحديد الولاءات هو ظاهرة جديدة نسبيا في التاريخ الحديث.
مرة سألوا وزير الدفاع السوري الأسبق ، مصطفى طلاس ، عن الشخصية التاريخية التي تشكل محط اعجاب الرئيس حافظ الاسد ، فاجاب انه معاوية بن ابي سفيان ، لانه يعتبر معاوية مؤسس الدولة السورية الاولى.
الان وبغض النظر عما اذا كان طلاس يكذب ، فان هذا الحديث بدا طبيعيا في ذلك الوقت والسياق ، لكنه سيكون حديثا خطيرا اليوم لو نسب مثله لبشار الاسد ، فعلى الارجح ان ال 15 فصيل شيعي عراقي الذي قاتل الى جانب جيش بشار الاسد سيصاب بالصدمة لو سمع ان الأسد معجب بعدو علي والحسين و"العقيلة" التي يدافعون عن مرقدها في دمشق .

شوهد المقال 2457 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك