محمد شوقي الزين .... صنم الحقيقة ورمز المقدس: صراع الأيدولة والأيقونة في الثقافة الدينية وتداعياته الحضارية
بواسطة 2014-11-13 00:35:58

د. محمد شوقي الزين
"لم أعد أرى الأيقونة، ولكن فقط الأيدولة" (محمد شوقي الزين في تأمّله حول السياسة والدين والاقتصاد والفكر).
أخذ مني بعض الوقت (وليس فقط هو المتّهَم من أخذ وقتي)، ولكن كان البحث الذي ليس منه بُد في إعادة تطوير/تثوير مفهوم الثقافة.
__________
من مقدمة دراسة: "صنم الحقيقة ورمز المقدس: صراع الأيدولة والأيقونة في الثقافة الدينية وتداعياته الحضارية" (قريباً في سوق الأفكار).
مقدمة
لأعلنها من أول وهلة كقول مأثور (maxime): الصورة هي عَصَب الصراع المذهبي والديني عبر التاريخ وتنظّم اليوم، خُفية أو خلسة، نظام التصوّر والسلوك في المدنية أو الحضارة. أقدّم في هذا الصدد فرضيتين وحالة تاريخية. أما الفرضيتان: 1- الإنسان بطبعه يهوى الصورة أو يمقتها. إذا أحب الصورة (iconophile) فإنه يدعّمها بتطعيمات فنية أو بلاغية يجدها في التاريخ الفني أو الديني، وإذا مقتها (iconoclaste) فإنه يستبدلها بشيء آخر، يوازيها أو يضاهيها، ويكون عبارة عن الفعل (action) ضدّ التأمّل (contemplation) الذي يقتضي موضوع التأمّل وهو الصورة، أو القراءة الحرفية أو الظاهرية للنصوص في مواجهة التمثّل أو التصوير؛ 2- إذا كانت الصورة هي عَصب الوجود، وأن انتفاءها سقوط في العدمية، وإذا كان وجودها عبارة عن سحر وافتتان، بل قهر وطغيان؛ إذا كانت الصورة تتأرجح بين عدميتين: إما نفيها واستبدالها بالفعل (الرأسمال، الجهاد..) أو تدعيمها واستغلالها سياسياً أو إيديولوجياً (صورة القائد كما كان الحال في الأنظمة الاستبدادية)؛ فإن الأمر الذي يلطّف الصورة، يحتفظ بها ولكن يتجاوزها، في "أوفيبونغ" (Aufhebung) يوفّق بين المتناقضات دون أن يستغرقها كليةً أو يُنفي فرديتها وتعيّنها؛ أقول: إذا كانت الصورة (image) تقتضي كل هذه المتناقضات الآيلة نحو العدمية وأن درأ هذه العدمية مرهون باستحداث شيء يؤول إلى الإيجابية والتكوينية، فإن هذا الشيء هو الشكل (forme) الذي تنبني عليه قيم التكوين والتشكيل (formation).
أما الحالة التاريخية التي تُبيّن السيرورة الملحمية للصورة، بين تبنّي وانتفاء، بين مصاحبة ومحاربة، فتتجلى في الصراع المذهبي بين الأيقونوفيليين (iconophiles) والأيقونوكلستيين (iconoclastes)، بين محبي الصورة وعُشاقها، وبين مبغضي الصورة ومهدّميها. أكاد أتجرّأ لأقول: إن المصير البشري، في الديانات والثقافات، يتوقّف في معظم هياكله وأبنيته، وفي جوهره وعلة وجوده، على هذه الثنائية، شبه المانوية، في الصراع المذهبي بين مدح الصورة والقدح فيها، بين الإعلاء من شأنها وتحطيمها. وفي ذلك علامة أو أمارة: السلوك المذهبي، المدوّنة التي يتبناها ويعتقد فيها، منظومة الأفكار التي يشكّلها ويوزّعها، نظام الفعل أو الأداء الذي يرعاه ويحرص على بسطه وتطويره؛ تساعد هذه العوامل كلها على فهم إذا كان هذا السلوك المذهبي "أيقونوفيلي" يهوى الصورة ويمجّدها، أو "أيقونوكلستي" يهوي بالصورة ويجمّدها. يتطلب الأمر إذن رسم فلسفة في الصورة تأخذ في الحسبان علاقة الحقيقة بالمقدس وجبيرة هذه العلاقة، الهيكل الذي يدبّرها وأيضاً الروح الدفينة التي تحرّكها، وهي العنف أو الاستئثار بالقوة. تُبرز العديد من الشواهد الفلسفية العلاقة الإسمنتية بين الحقيقة والعنف (مارتن هايدغر، ميشال فوكو..)، وكيف تتدفق هذه العلاقة على إقليم المقدس بأن تطبعه بثقافها (رجيس دوبري، مارسيل غوشيه..).

شوهد المقال 1694 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك