صحيفة الوطن الجزائري : فوزي سعد الله .... ندرومة الخصوصية الموريسكية فوزي سعد الله .... ندرومة الخصوصية الموريسكية ================================================================================ randi on 03:57 16.10.2014 فوزي سعد الله الإسباني غِيِّيرْمُو رِيتْوَاغَنْ (Guillermo Rittwagen) زار ندرومة في مطلع القرن 20م وكتب عنها في مقالة شهيرة تحمل عنوان "Los árabes andaluces" (العرب الأندلسيون) صادرة في يوم 15 مارس/آذار من العام 1905م حيث قال مُنبهِرًا:"المدينة التي أبعث لكم منها هذه السطور، التي رغم كونها جزائرية، تحتفظ بخصوصيتها الموريسكية أكثر من غيرها وهي العاصمة الفعلية للعرب الأندلسيين الذين طُرِدوا من إسبانيا. لقد قَرَأْتُ بأن الكثيرَ من عائلات ندرومة مازالت تحتفظ بالمفاتيح العتيقة وشهادات المِلْكِية الخاصة بممتلكات أجدادها في إسبانيا، وبأنها محتفظة بها، لأن أمَلَ العودة ما زال يراودها...هنا شاهدتُ مفتاحا للدار التي كان يملكُها أجدادُ عائلةِ حامِد بَلّْحَدّْ في قرطبة قرب الوادي الكبير . شاهدتُ أيضا وثائق صادرة عن مُوَثِّقين قضائِيِّين وحتى التفاصيل الدقيقة التي تُحَدِّدُ الأراضي التي أَخْفَى فيها الموريسكيون الجَشِعُون كنوزَهم". الكاتب الإسباني، كغيره من الإسبان، كان يعتبر الموريسكيين والأندلسيين جشعين ومن عَبَدة المال المتآمرين بكل الوسائل ضد التاج الإسباني في القرن16م و17م. كما اتهموهم بالسِّحر وبالمروق والانحراف الأخلاقي مثلما تفنن المخيال الإسباني الكاثوليكي في رسم خصمه الموريسكي المُنَصَّر بالقوة والذي بقي في غالب الأحيان يمارس الإسلام سرا.حسب تاريخ هذه الرسالة، أيْ عام 1905م، يبدو واضحا أن جراح الثورات الموريسكية في إسبانيا خلال القرن 16م كانت ما زالت بعد أربعة قرون كاملة لم تُضمَّد جيدا بعد. كما أن أهل الاندلس لم تُنسهم الحياة في ندرومة الجذور الإيبيرية...اليوم من بين أحفادهم: عائلات سَلاَسْ، نسبة إلى المدينة التي تحمل الاسم ذاته في الأندلس، قَرْطْبة، اللَّوشِي، نسبة إلى لوشَة في الأندلس، غرناطي نسبة إلى غرناطة، رَمْعُونْ التي يُقال إن أصلها Ramon، ودِنْدَانْ...والذين لا يختلف لسانُهم كثيرا عن ألْسِنَة بقية حواضر وأرياف الجزائر التي احتضنت الأندلسيين/الموريسكيين؛ من غرب البلاد إلى شرقها...من مسيردة والغزوات إلى شرشال والجزائر ودَلَّس وجيجل والقل... المستشرق الفرنسي وِيلْيَامْ مَارْسِي لاحظ التقارب الكبير بين لسان التلمسانيين والندروميين وتباينه الواضح آنذاك مع لسان المناطق المحيطة بهما التي يطغى عليها اللسان البدوي حيث قال عام 1902م إن "لسان تلمسان، يُضاف له نظيره الندرومي، هو اللسان الوحيد في إقليم وهران الذي يتوفر على خصوصيات اللسان الحَضَرِي. وفي جميع بقية مدن إقليم وهران، رغم ما يبدو في ذلك من غرابة، يتحدث الناسُ بِلسانٍ بدويٍّ".تحتفظ بعض هذه العائلات الندرومية إلى اليوم بعادات تَعود إلى سِنين الجَمْر والقَهْر الكاثوليكي في إسبانيا حيث "كغيرها من العائلات موريسكية الأصل في ندرومة، حافظ آل رَمْعُونْ على تقليدٍ خاص فيما يتعلق بعمليةِ خَتْنِ الأطفال يعود إلى عهد مَحَاكِمِ التَّفتيش"، يقول م. رمعون، "وهو القيام بِخَطْفِ الطِّفل وسرقته من أجل ختنه من طرف عَمٍّ أو خَالٍ أو أيّ فردٍ من أقارب العائلة دون الوالدَيْن. وسَبَبُ ذلك مُزْدَوِجٌ: أَوَّلاً لإبعاد المسؤولية عن الوالديْن في حالِ اكتَشَفَ مُراقِبو مَحاكِم التفتيش حُدوثَ عملية الختن، ثم لأن ذلك يسمح للطفل بِأَلاَّ يَنْسَى انتماءَه إلى الإسلام حتى في حالِ اعتناق والديْه فِعليًا الديانة النصرانية...".... ومن بين أبناء آل رمعون الندروميين المعروفين الشاعر/الموسيقي محمد الرَّمْعُونْ (Remaoun) الندرومي الذي كان يهوى العَزْفَ على آلَتَيْ القُمْبْرِي والكْوِيتْرَة. ومازالت أصداء صوته وأنغامه وأشعاره تتردد في البيوت والفضاءات العامة النَّدْرُومِيَة والجزائرية برمَّتها. ولعل من بين أكثر الأشعار/الأغاني التي تركها محمَّد الرَّمْعُون الأغنية الحوزية الشهيرة "آ اللاّيَمْنِي فِي لِيعْتِي مَازَارُوكْ مْحَانِي" التي أبدع في أدائها النَّدرومي الحاج محمد الغفور الذي يُنسَب هو الآخر إلى أصول أندلسية/موريسكية....