محمد شوقي الزين ...... جاك دريدا (الجزائر 1930 – باريس 2004)، صديق عن صدق.

د . محمد شوقي الزين
أعز شيء أحتفظ به عن دريدا هذه الشهادة النادرة بتوقيعه (أدناه). رسالة مطوّلة أقدّم فقط بعض الفقرات منها. عندما ناقشتُ الدكتوراه حول ابن عربي في 15 سبتمبر 2004 وكنتُ قد تحدثتُ معه حول متصوّف مرسية (الأندلس) وأبدى اهتماماً بفكره ونظرياته الأنطولوجية، كنتُ على وشك أن أبعث له بنسخة خاصة من رسالتي بعدما أتممتُ التصحيح والمراجعة؛ لكن غداة التاسع من أكتوبر 2004، تلقيتُ نبأ وفاته مباشرة على القنوات الفرنسية، فسقط عليّ الخبر كالصاعقة. نظرتُ إلى النسخة التي كنتُ أنوي أن أبعثها إليه وقلتُ في نفسي: «ليس لك الحظ يا ابن عربي»؛ أو قل: لم يكن لي الحظ في أن أربط ابن عربي بالفيلسوف جاك دريدا مباشرة، عمل قام به أيان ألموند بكتابه الممتع: «التصوف والتفكيك: درس مقارن بين ابن عربي ودريدا»، من ترجمة الصديق من مصر حسام نايل.
هذا اليوم يومه، ذكرى رحيله، لا لأتحدث عن نفسي، لكن الشهادة التي كتبها بالعفوية المدهشة والجمالية السائغة تعكس بالفعل الإنسان العالمي الذي لا يدّخر جهداً في الحديث عن الذين صاحبهم وأحبهم وقدّرهم، بيد العون التي كان يجيدها بالجود الأصلي، من بلده الجزائر، وحتى سقف عطائه الفلسفي الزاخر قبيل مرقده في باريس. إذا سألتم بأي فيلسوف تأثرتُ، أقول دريدا بدون منازع "الحامل" لشخصيات أخرى (بعض الأصدقاء يعرفون مقصود "الحمل" بسكون الميم وبفتحها أيضاً، الحمل التراثي والمعاصر)، ليس لزخم الكتابات وأصالة التنظيرات، ليس لقوة البلاغات ونفائس التأويلات، ولكن لأفق الإنسانية الواسع الذي كان يحمله ويتجسّد حتى في سلوكياته اليومية، بالنظرة البريئة والجريئة المرئية على ملامح وجهه البشوش.
__________
شهادة جاك دريدا:
«... أعرف السيّد محمد شوقي الزين منذ عدة سنوات، في الحقيقة منذ قدومه إلى فرنسا. التقينا عدة مرات وأصبحنا صديقين. فهو قادم من جامعة أكس أن بروفونس، التي يعمل بها منذ عدة سنوات، ليحضر حلقات دروسي في باريس ويحضر الملتقيات التي أشارك فيها أو المحاضرات التي ألقيها في فرنسا أو في الخارج. لقد كان لي الحظ في مضاعفة المبادلات الفلسفية معه وتقاسم ذاكرتنا وعواطفنا الجزائرية. لقد ولدتُ أيضاً في الجزائر وأتيتُ إلى فرنسا للمرة الأولى في السن التاسعة عشر، سنة 1949، من أجل دراستي ونشاطاتي المهنية، مسار يشبه إلى حد ما وفي بعض جوانبه مسار السيّد الزين.
السّيد الزين باحث وفيلسوف من نوعية نادرة. بحكم اشتغاله في الحقل ذاته الذي أشتغل عليه، وغالباً حول كتاباتي الشخصية (حيث يتابع مسارها في العالم العربي وفي بلده بالذات، ويساهم بتألّق في شهرة الثقافة والفلسفة الفرنسيتين بفضل نشاط حثيث في الترجمة والوساطة، حيث أنشأ مثلاً موقعاً في الأنترنت حول أعمالي وحول علاقاتي الفكرية بالجزائر)؛ أدركتُ الشساعة والصلابة النادرتين لكفاءاته...».
توقيع: جاك دريدا، أستاذ الفلسفة، طالب سابق في المدرسة العادية العليا، شهادة التبريز في الفلسفة، مدير البحوث في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية، وسام جوقة الشرف، أمير الفنون والآداب.
شوهد المقال 2801 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك