حبيب مونسي ...... لغة التزكية الأدبية على الفيسبوك...
بواسطة 2014-06-02 01:27:35

د. حبيب مونسي
ذكر لي أحد الفطناء بخبايا الفيسبوك، والمتابع لحركة النشر فيه، أننا نشهد اليوم ظاهرة عجيبة أسماها بالتزكية الفيسبوكية.. حقيقتها أن عددا من الأسماء الأدبية تلجأ اليوم إلى استكتاب مريديها وأتباعها عنها من خلال التذكير بإنجازاتها، مشفوعة بصور تظهر المعني بالأمر في أبهى الحلل باسما، راقي الذوق، متحضرا، متفتحا... تذكر بتنقلاته ومواعيده.. ومساهماته، اته في هذه الندوة، وتلك الجولة، وذاك اليوم الدراسي.. حاضرا في هذا المهرجان، محاضرا في تلك القاعة، عارضا لكتاب جديد، موقعا على غلاف رواية العام.. بل تكتب في عجب كيف لا تلتفت الحكومة إلى قامته الفارعة في الشعر والنثر والفكر والنقد والبحث، وكيف تهمل الدوائر النافذة هذا الاسم في برامجها وترقياتها..ولا يلتف المثقفون حول هذا الظل الوارف والشجرة المثمرة... وقد أخبرني هذا الفطن الكيس أنه قرأ لبعض المريدين نصا يتحدث فيه أحدهم عن إطلالة صاحبه التي هي أشرق من بياض النهار وأجلى من نقاوة الزجاج وأحلى من رضاب الشهد المذاب... وقال لي بالحرف الواحد أنهم يقومون بعدِّ "الإعجابات" التي تسجل لهم، فيجعلون منها مسبار حقيقتهم الافتراضية التي يسقطونها على حقيقتهم الواقعية، فإن لم يظفر أحدهم بالعدد المطلوب ظل وجهه مسودا وهو كظيم... واردف يقول: إن عدد" البرتجات" يساهم في نقل الصورة إلى أطراف أخرى لذلك يُفعِّل المريدون والأصدقاء والجماعات المغلقة هذا الدور لخلق ضرب من التناسل في الخبر.. وأنه يجب أن نطالب إدارة الفيسبوك أن تجعل لنا زرا نؤكد من خلال الضغط عليه أننا "لا نحب" و آخر "نكره" و"لا نوافق" حتى نتمكن من صد هذه الموجة من التزكية التي تعيد تكريس وجوه ليس لنا من خيار أمامها إلا أن نردها على أعقابها إلى ظلمة جحورها وعفنها الفكري...
حاولت ان أهدئ من غضبه.. أن أقول له إن خيار إدارة الفيسبوك صائب لأنها لو أتاحت لنا التعبير عن مشاعرنا بزر فإننا سنفعل في أنفسنا الأفاعيل... وأن التزكية الفيسبوكية مجرد موجة وسيسأم منها الناس عاجلا، وأن أمرها إلى زوال، وأنها لن تصنع من البضة قبة. .ولا من العود عمودا... فرد علي غاضبا وفي عينيه شيء من الخيبة قائلا: قاطعونا في الملتقيات وسدوا الأبواب دوننا، وزاحمونا في الصحف والمجلات، وصاروا مسؤولين على الأعمدة والصفحات، وأهملونا في الحوارات فلم يلتفتوا إلينا ولم يذكروا أسماءنا..ولم يقرأوا ما خطته أناملنا، ولا ما سالت به جراح أكبادنا وقروحنا... وها هم اليوم يطمسون حقيقتنا من خلال هذه الحملة التي تنشر صورهم في كل الصفحات، وتتلوها عبارات التبجيل والمدح.. مع أننا لم نقرأ لهم في صفحاتهم شيئا يذكر.. كل ما كتبوه نشر في المجلات التي لا يقربها أحد وفي روايات تتكدس في الرفوف أو في مستودعات وزارة الثقافة.. فصفحاتهم فارغة ليس فيها ما يمتدحون لأجله، ولا ما يعرضهم للنقد في فنه وفكره..إلا بعض صور حضراتهم وهم هنا أو هناك....
انصرف عني صاحبي غاضبا وهو يقول: أنت نية يا أستاذ ولن تحقق شيئا بنيتك هذه.. أخشى أن يكون القطار قد انطلق من دونك...
شوهد المقال 2659 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك