شرف الدين شكري .............. تجربة مُحَلِّل نفساني .. تحرير الشّعوب
بواسطة 2013-10-03 21:31:46

شرف الدين شكري
وعي التحرير من الاستعمار لا يمكن حصره فقط في صراع قطبَي (شمال- جنوب)، بل يظلُّ قائماً بذاته وبحاجة مستمرّة إلى تغذية، بدل ترك الحبل دوماً للعسكري أو للسياسي اللذين أصبحا يمثلان جهاز السلطة، وأصبح عندهما الثقافي بمثابة ضيف الشّرف.
تقول الدكتورة أليس شرقي رفيقة فرانز فانون منذ عهد تكوينه الأول في مدينة ليون الفرنسية - على يد طبيب الأمراض العقلية والطّب النفساني الإسباني فرونسوا توسكال، الهارب من نظام فرانكو الفاشي - وحتى أيامه الأخيرة بعد نفيهما إلى تونس: في مقدّمتها، حول تكوين فرانز: «لقد وجد نفسه في الجزائر، ليس فقط في مواجهة طبّ الأمراض العقلية الكلاسيكي في الملاجئ، ولكن أيضاً في مواجهة نظريات أطباء الأمراض العقلية لمدرسة الجزائر المتعلّقة ببدائية الأهالي - الأنديجينا». يمكننا أن نقرأ هنا، تعريّفاً لهذه المدرسة ورد لدى أنطوان بور، مؤسِّس مدرسة الجزائر النفسانية (إبان الحقبة الاستعمارية) جاء فيه: «الأنديجينا الشمال إفريقي متشدّقٌ هو، سارقٌ وكسول، الشمالُ إفريقي، مسلم يتميّزُ بكونه غبي وهستيري، عنصرٌ سخيف، عرضةٌ لأحاسيس إجرامية غير متوقّعة. الإنديجينا الشمال إفريقي يمتلك قشرة دماغية متخلّفة، وهو كائن بدائي يعتمد في حياته الغريزية على النباتات»، ويمكننا أن نعود، في السياق نفسه، إلى الكلمات التي ذكرتها أخت فريديريك نيتشه إليزابيت. ف التي تواطأت مع نظام هتلر في نفي الجنس السامي،عبر التجارب العنصرية الخاصة بعلم النسالة التي كان يقوم بها زوجها في جنوب أميركا على السكان الأصليين، من أجل إثبات رفعة الجنس الآري على باقي الأجناس البشرية الأخرى، والتي كانت قمة في الطّمس الإنساني، عبر البحث عن بروتوتيب مثالي لشكل الإنسان الآري، وتحديد معالمه وأشكاله حتى يتم تمييزها عن باقي الأجناس الأخرى، عبر استحداث مجلّدات جرد شامل كمالي لتلك المميزات، يتم تطبيقها فيما بعد بشكل آلي على أدمغة الأجناس الأخرى المختلفة، مميزين بفضلها بين بشريِّ وآخر عبر شكل الدماغ، لون السحنة، حجم الأنف، ولون العين… إلخ، من المزايا التي ملأت معاجم العنصرية الاستعمارية، ومهدّت لفلسفة عزل الآخر، مشكّلة بذلك نصوصاً عنصريةً لطالما كانت مراجع استعان بها المستعمِر في تكوين إبستيمي ثنائية (المستعمِر- المستعمَر) على حدّ سواء.
تواصل أليس شرقي حديثها قائلة: «اكتشفَ فانون حينها وهو بالجزائر، المقاربة الاستعمارية. سوف يصبُّ تباعاً لذلك، وفي المرحلة الأولى كل جهده في تحويل المصالح والوحدات التي كانت تحت إدارته، عبر إدخال التحليل النفسي الاجتماعي اقتداء بما تعلّمه عن توسكال. لن يدّخر جهداً في تحويل علاقة المريض بالطبيب، مع الأوروبيين، وخاصة مع الأنديجينا المسلمين، بحثاً عن إعادة صياغة مرجعيتهم الثقافية، لغتِهم، تنظيم حياتهم الاجتماعية، كل ما كان بإمكانه أن يمنح المرضى معنى لحياتهم. هذه الثورة الصغيرة التي حدثت في مجال الطّب النفسي اعتُرِف بها من قِبَل الأطباء المشرفين، الذين انتمى أغلبهم إلى تلك القضية سياسياً».
نستشف من خلال حديث مرافِقة فانون، بأن الهوية في نظر فانون، وفي ممارسته للتحليل النفسي، لا يمكن لها أن تقوم بمنأى عن «إعادة تركيب ثقافة المضطَهد» وحتماً سوف تقابلنا في تلك المرحلة مدارس جديدة لعلم النفس، بدأت تقوم على التحاليل الجريئة التي قام بها كلّ اللذان من لاكان وفوكو آنذاك، واللّذين عُرفا فيما بعد بكونهما الطفلين الضالّيْن للمدرسة البنيوية، المؤسِّسَيْن للمدرسة المعارضة فيما بعد لمدرسة علم النفس، ابتداء من كتاباتهم مع نهاية العشرية الخامسة للقرن العشرين، عبر كتاب «تاريخ الجنون» لفوكو مثلاً، والذي يبدأ فيه العصف بكلمتين مهمّتين جاءتا كحوصلة ذكيّة جداً لما سيجيء في بناء تلك المدرسة الهدّامة لكلاسيكيات الأنوار التي لم يستطع جانبها المضيء أن يجعل ظلمة العنصرية تخبو في ثقافة الخطاب الغربي ذاته، مؤسّسة بذلك لمخيال السُّلطة القمعية المحلِّيّة من جهة، وحتماً لامتداد ذلك المخيال خارج أسوار الرقعة الغربية، نحو بلاد الجنوب التي تخضع، ليس فقط لهيمنة الغرب العسكرية، وإنما أيضاً لقوّة الهيمنة الثقافية.
هنا، نقف على أخطر هدف يُعَدُّ بمثابة الملاط الرابط للجدليّة القاصمة التي اشتغل عليها فرانز فانون (المستعمِر/المستَعمَر) والتي لم يشأ الطرف المستعمِر أن يسمح بنقدها لمواطنيه أنفسهم الواقعين تحت سيطرته، إلا نادراً تحت ضغط سياسي وثقافي عالمي. وهي جدليةٌ يجب أن تُفهَم بعيداً عن الرّبط الزّمني لثنائيتها مثلما يحبُّ دعاة التنظير للوطنية الهستيرية أن يقوموا به، محدّدين تلك الجدلية بمرحلة زمنية بعينها، متغافلين عن سفر الفكرة الذي لا يهدأ في عالم الممارسات الخطابية لكل زمان وكل مكان، حسب تطبيقاته طالما أن هناك سلطة.
مجلة الدوحة القطرية
شوهد المقال 1322 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك