محمد هناد ـ في الذكرى التاسعة والعشرون المنسية " الإنقلاب العسكري "
بواسطة 2021-01-12 01:28:27

د. محمد هناد
تحل الذكرى التاسعة والعشرين للنكبة الناجمة عن توقيف المسار الانتخابي (12/01/1992) الذي تبخرت بسببه أحلام مسيرتنا نحو بناء نظام ديمقراطي. ما وقع في هذا اليوم كان انقلابا عسكريا بكل المقاييس : إلغاء انتخابات تشريعية – غير محسومة النتائج مسبقا لأول مرة – بقرار من مجرد هيئة استشارية، ممثَّلة في المجلس الأعلى للأمن الذي كانت مهمته محدودة بـ «... تقديـم الآراء إلى رئيس الـجمهورية في كل القضايا الـمتعلقة بالأمن الوطني» (المادة 162، دستور 1989). توقيف المسار الانتخابي فرضه المجلس الأعلى للأمن على رئيس الجمهورية الذي كان هو رئيسه! التبرير الذي قدمه المجلس المذكور جاء كالآتي: «... يُلاحظ استحالة مواصلة المسار الانتخابي إلى غاية أن تتوفر الشروط الضرورية للسير العادي للمؤسسات... » وكأن هذه الظروف كانت متوفرة عند إجراء الدور الأول من هذه الانتخابات !
لعل ما دعا إلى وقف المسار الانتخابي، ليس غيرة «الجانفيرين» على الديمقراطية بقدر ما كان بسبب خوف قادة الجيش والمسؤولين المدنيين الداعمين لهم من العواقب التي كانت متوقَّعة من فوز الفيس بالنظر إلى تصريحات قادته وتصرفاتهم الطائشة آنذاك. فلو كانت لهذه القيادة الثقة في تماسكها لاختارت دعم رئيس الجمهورية والوقوف إلى جانبه في المضي إلى الدور الثاني، مع الاحتياط لأي تطاول من الفيس على مؤسسات الدولة عن طريق المجلس الوطني الشعبي الذي يبدو أن هذا التنظيم كان بصدد تحويله إلى منصة إطلاق صواريخ. لقد كان الدستور يخول للرئيس حل هذا المجلس كلما ارتأى ضرورة ذلك. عوض ذلك، جعل القادة العسكريون رئيس الجمهورية في وضع لم يبق له فيه أي اختيار ماعدا الاستقالة فاستقال ثم أقدم هؤلاء القادة على افتعال أزمة مؤسساتية بتعطيل الآلية الدستورية الخاصة باستقالة رئيس الجمهورية، وذلك بهدف منع رئيس المجلس الوطني الشعبي من النيابة الرئاسية على أساس تزامن مزعوم لاستقالة رئيس الجمهورية مع حله للمجلس قبل أيام.
أكيد، لقد كان من المتوقَّع من الفيس أن يحاول تغيير موازين القوى على مستوى قيادات الجيش في صالحه من خلال السعي الحثيث لجلب بعض الضباط إلى صفه لمواجهة ضباط آخرين معادين لتوجهه. وذلك أمر كان واردا لأن التيار الإسلامي السائد آنذاك على مستوى المجتمع لابد وأنه كان موجودا أو قابلا للإيجاد على مستوى الجيش نفسه عن طريق الترغيب. فالجيش جزء من المجتمع العام. لكن لو كانت للقيادة العليا للقوات المسلحة الثقة في نفسها لتركت الأمور تسير بصورة عادية، مع البقاء في حالة ترقّب بجانب رئيس الجمهورية في حالة تهور الفيس. لذلك، يرى بعضنا اليوم بأنه لو تركت للفيس فرصة ممارسة السلطة لتحطمت طموحاته على صخرة الواقع المعقّد ولاكتشف المواطنون قصوره وغطرسته، لاسيما وأن الناس كانوا قد بدأوا يلحظون سوء إدارته على مستوى الجماعات المحلية. فتكون بذلك الجزائر قد تخلصت من شبح الحكم باسم الدين نهائيا ولتجنبت ويلات الإرهاب الذي ستبقى آثاره ماثلة في الضمير الجمعي عشرات السنين.
مسؤولية ما حدث من محن من بعد تقع على عاتق «الجانفيرين» بالدرجة الأولى لكن كذلك على عاتق قيادة الفيس التي لجأت إلى حمل السلاح فتحولت القضية من قضية سياسية إلى قضية أمنية. طبعا، التاريخ لا يُعاد. لكن لو تحلى الفيس بروح المسؤولية نحو مواطنيه لاختار مواصلة النضال السلمى على الرغم من «حڤرة» السلطة له. لكن من الواضح أن الفيس لم يكن يرى الأمور بهذه الصورة، كما دلت على ذلك تصرفاته العنجهية في تلك الفترة بسبب قلة تجربته السياسية والغرور الذي تملَّكه لكثرة الجماهير المناصرة له.
فهل استوعبنا الدرس، كمجتمع وقوى سياسية، من «العشرية السوداء» ؟ للأسف، لا يبدو ذلك جليا !
شوهد المقال 128 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك