عثمان لحياني ـ من طالب الجزائريين بالرحيل ..اعتذار أسوأ من التصريح
بواسطة 2020-10-24 01:17:51

عثمان لحياني
الذي شتم الجزائريين المختلفين في الرأي والقناعات ، وطالبهم بالرحيل من البلد ، ليس الفتى، ولكنه النظام نفسه بكل تجلياته.
لنضع تصريح الوزير المراهق في سياقه ، وضمن اطاره العام ، في السياق سنجد ان هذا التصريح المحمول على وقاحة بالغة ، هو مجرد جملة مقتضبة من لغة مستمرة تعتمدها رموز النظام والمسؤولين في مستويات متعددة ، ويلهج بها المعبرون عن السلطة وخياراتها ، بوتفليقة وصف الجزائريين المعارضين لخياراته "بالمنحرفين" ، وقائد الجيش الراحل استخدم لوصفهم لفظ "الشرذمة" ، والأمثلة كثيرة و ممتدة .
في الاطار العام ، هذا التصريح هو حقيقة يؤمن بها رجالات الحكم وموظفو السلطة ، وهو قناعة متجذرة لديهم بأن جزءا من هذا الشعب ممن يطرح أسئلة سياسية خارج السياق العام عليه أن يرحل ، وأن السلطة ورجالها فقط من تملك حق التفكير و التدبير و المساءلة ، ووحدها التي تعرف الصواب والخطأ ، وهي من تحدد الخط الفاصل بين الكفر والايمان، وبين الوطنية والخيانة، وهي من توزع صك الاخلاص ، كل سلوكات السلطة والحكومة وموظفيها تثبت ذلك.
قضى هذا الفتى تسع سنوات حتى عام 2019 في مكاتب رئاسة الحكومة مساعدا لأكبر رموز العصابة السياسية التي تلاعبت بالبلد والناس ، فما الذي يمكن أن يتعلمه منهم غير هذا الذي بدر منه ، وبخلاف من يطالبون الحكومة بتلقين الوزراء والمسؤولين دروسا في الاتصال السياسي، افترض جازما ان المسألة لا تتعلق بفنيات الاتصال أبدا، المسألة مرتبطة -اضافة الى الكفاءة -بالبنية الذهنية والاتزان النفسي والسلامة العقلية ،هذه هي الامور التي يجب ان يخضع تقييمها في المسؤول. وزير مثل هذا في لحظة عنفوان فقد اعصابه شتم الشعب، في ظرف مفاوضات مع طرف أجنبي يمكن أن يفقد تركيزه ويبيع مصالح البلد.
اعتذار الفتى لا يغير من هذه الحقيقة شيئا ، في الشكل، البلد بصدد عصابة سياسية تتشكل من جديد ، واعادة استدعاء لنفس النماذج المتسخة بالحقد على الشعب والمتعالية عليه ، وتكرار لنفس ممارسات الوصاية ، بصدد تحالفات تتطور شيئا فشيئا بين قلب النظام مع كيانات الفساد السياسي وشبكة وهمية من المنظمات والمجتمع المدني الريعي.. في المضمون يمكن تلمس تجديد السلطة للعهد مع نفس أسباب الفشل والثورة، وتوفر ذات عوامل الاخفاق والغضب ، وتغلق أبوابا واسعة من الأمل فتحها الحراك الشعبي السلمي بنفس مفاتيح الاغلاق.
اعتذار أسوأ من التصريح
في النهاية تراجع الوزير وقررأن يسمح للجزائريين المعترضين على بند أو آخر في الدستور بالبقاء والعيش في البلد ، يُشكر اذن على سعة صدره وسماحته التي غمرت ، وعلى تحمل عبىء بقائهم .
التصريح المثير كان أقل سوءا من الاعتذار هذا الموظف الحكومي ، والاعتذار كان أكثر سوءا من التصريح ، نه يجدد الاساءة للجزائريين في سياق الاعتذار ، و يعتبر انهم هم من لم يفهوا " افكاره الخلاقة"، يضع المشكلة على عاتق الفهم ، وفي هذه الحالة لا يصبح الاعتذار اعتذارا ، بل اساءة أخرى، لأنه لا يمكن ان يخطأ الفهم اساتذة في الجامعة وصحافيين وعمال وطلبة وبطالين وسياسيين .
اكثر من ذلك ، يظهر هذا الشخص التعالي والتناقض الكبير، انه اذ يقر بأنه "متيقن أن كل الشعب الجزائري (قال كل) ملتف حول بيان أول نوفمبر " ، اذن فمن هم الجزائريون الذين كان يقصدهم بالمغادرة اذن !؟ ، وهل يوجد في الجزائر شعب آخر .
الاعتذار الذي لا يرافقه الندم والأسف على القول أو الفعل ليس اعتذارا ، في المقامات الحكومية وفي هذا المستوى من الاساءة ، الاعتذار الوحيد معروف، الجزائريون ليسوا مضطرين لتحمل سخافات المسؤولين والوزراء ، سخافة التصريحات المنفلتة والسلوكات الشاذة ، ثم سخافة الاعتذار ، لا أحد من الجزائريين- وأنا واحد منهم-مستعد لتحمل هذه العقليات والنماذج السيئة.
شوهد المقال 552 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك