سامي خليل ـ التزوير القَبْلي للدستور

د. سامي خليل
تابعت يوم أمس الجدل الذي دار حول ما قاله شنقريحة و ما لم يقله و حاول البعض التقليل من أهمية تصريحاته و ذهب بعض النشطاء و المتابعين حتى إلى إتهام التلفزيون و وكالة الأنباء بتلفيق بعضها و تركيب الصور و الأقوال بشكل يوحي بفبركة لا تعكس الواقع. بل إجتهد عدد من المشاركين في هذا النقاش لإثبات أن قائد الاركان بالنيابة لم يتجاوز حد تقديم رأيه في النقطة التي تتعلق بالجيش و إمكانية توسيع رقعة عملياته إلى خارج الحدود (بالمناسبة لست ضد هذه المادة مبدئيا لكن الشيطان في التفاصيل).
البعد الرمزي الآخر للزيارة هو تسمية مقر قيادة الأركان بإسم القايد صالح رحمه الله و حتى لو أن قرار التسمية إتخذ منذ مدة إلا أن تنفيذه خلال هذه الزيارة جاء للوحي بأن هناك إستمرارية، بأن القايد صالح معنا أيضا، بأن روحه تزكي المشروع. هذه الإيحاءات التي يراد بها تهدئة من صوتوا لتبون بسبب "تزكية" القايد صالح "المعنوية" له و الذين أحسوا بطعنة في الظهر و بتراجع رهيب عن الحرب الشاملة ضد العصابة و أذرعها الثقافية و الاعلامية بل إعتبروا ما قام به تبون منذ تنصيبه ردة كاملة و نفخا للروح في شبكات البوتفليقية. من هذه الزاوية فشلت زيارة تبون في تحقيق هدفها.
أعود إلى ما قاله شنقريحة.في الحقيقة المشكلة بالنسبة لي أنه قال و ليس فيما قاله إبتداء. بالطبع لم يكن من الممكن أن تخلو هذه الزيارة من تصريح لقائد الأركان بالنيابة لكن إثارة موضوع المسودة تحديدا يؤكد الهدف الحقيقي من الزيارة الذي أشرت إليه أعلاه. أكيد أن كلمة شنقريحة في مجملها تناولت مواضيع تقنية تخص الجيش إلا أن الخروج من واجب التحفظ و التعليق على ما جاء في المسودة و لو بفقرة و عدد بسيط من الملاحظات لا يمكنه ان يمر مرور الكرام و نحن نعرف وزن المؤسسة العسكرية و مكانتها في الوعي الجمعي.
شنقريحة لم يكتف بإبداء الراي فيما يخص مادة خروج الجيش بل ثمن عاليا المسودة و أشاد بالمشروع بأنه من اهم إنجازات تبون و أشاد بتوازن السلطات و بحماية الحريات و حقوق الإنسان. مثل هذا التصريح لا يمكن مهما حاول البعض تقزيمه و تثمين شنقريحة عرض المسودة للنقاش و الإثراء فيما يحاول الرئيس بواسطة مستشاريه فرض أمر واقع و التموقع كطرف في النقاش لا يعني شيئا. العملية برمتها منذ تنصيب سيء الذكر لعرابة تراكم أخطاء و تثمينها عاليا يصبح شراكة في المهزلة.
لماذا القلق و المشروع سيعرض على الإستفتاء الشعبي سيقول قائلا؟ هنا يجب التذكير بمفهوم التزوير القبلي. التزوير لا يقع يوم الانتخاب بل يبدأ قبل ذلك و هذه الزيارة اولى خطواته. التزوير هو توجيه العقول الى خيارات محددة بإستعمال حيل نفسية و حملات اعلامية و نفخ البارد و السخن و خلق حالة من التخوف و الترقب و اللاتوازن في الوعي الجمعي. التزوير هو خروج الرئاسة من واجب التحفظ و الدفاع بشراسة عن المسودة عوض أن تكون حكما واعيا و مجرد مسهِّل لفدرلة الاقتراحات و تداولها. التزوير القبلي أن يسمح لأحزاب السلطة ان تعقد مؤتمراتها في عز ازمة وبائية. التزوير القبلي أن يصطف رئيس السلطة "المستقلة" لتنظيم الانتخابات مع أنصار المسودة و يسوق لها. التزوير القبلي أن تمنع الاحزاب الناشئة من الإعتماد وووو...
تزكية شنقريحة للعملية إذا هي تزكية لكل هذا العفن و من يريد أن يتفلسف و يسفسط فلا يحسب ما يقوله إجتهادا منه يؤجر عليه إذا اخطأ إنما هي شراكة واعية في تمييع النضال و ضرب الوعي العام.
شوهد المقال 514 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك