عثمان لحياني ـ في الدستور الذي لا يتحدث
بواسطة 2020-05-10 08:08:56

عثمان لحياني
كان واضحا منذ اللحظة الأولى، وقياسا بأكثر من تجربة تعديل سابقة على مر المحطات السياسية للجزائر، أن اعداد الدساتير بلجان مغلقة لن يؤدي الا الى نص دستوري مغلق وصامت.
قبل النص ثمة مشكلة تتعلق بالآلية، لبناء الجزائر الجديدة يجب توخي آلية جديدة أيضا (لجنة تأسيسية) تقطع مع العجلة والتصنع السياسي وتحسم المتاهات اللغوية ، تأخذ زمنها الكافي وتتيح مشاركة متوزانة للأطياف المجتمعية في صياغة الأرضية الدستورية التي سيتعايش على أساسها الجزائريون، تصون الثوابت المجتمعية وميراث ثورة نوفمبر، وتحدد قواعد الممارسة الديمقراطية.
صحيح أن استقالة القاضي فتساح أوقرقوز من اللجنة الدستورية لم يلفت الانتباه لأسباب عديدة ، لكن نص استقالته كان كافيا ليعطى مسبقا صورة واضحة عن سقف التوقعات من مخرجات المسودة الدستورية التي جاءت فعلا مخيبة للآمال ومجحفة في حق تطلعات الجزائريين وفي حق سقف عالي من طموحات حراك فبراير2019.
تعاملت اللجنة الدستورية مع النص الدستوري من داخل العقل السلطوي الذي ينظر الى المكون السياسي والفاعل المدني كغول يهدد الدولة، لذلك يبرز الاجتهاد واضحا في وضع المغالق ، بدلا المخارج، التي تحد من حق المبادرة السياسية وتقفز على التمثيل الشعبي، وفحصت الدستور بصورة تقنية بعيدة عن روح التجديد السياسي وبأصابع جافة، ولذلك جاء النص الدستوري جافا وصامتا ومتحجرا ومنغلقا على أشكال الحكم وطرق الادارة البالية للشأن العام .
كان حراك فبراير ثورة على الاستبداد ، وعلى الأبوية السياسية وممارسات نظام الحكم الرئاسي الذي قاد البلاد الى حدود الانهيار وأنتج جغرافيا واسعة من الفساد السياسي ، وتشكلت في خضمه مجموعات مافيوية مهيمنة ومتناحرة طورت شكلا جديدا من "المافيوية بالقانون"، وانفلتت ضمنه الأجهزة الأمنية وتحولت الى مجموعات متواطئة مع المافيا السياسية ومتحالفة ، وبرغم ذلك تعيد اللجنة الدستورية انجاز نص دستوري يعيد انتاج نفس مقومات الحكم الرئاسوي الهجين وبنفس اغراءات الانفرادية واغواءاتها، وبسلطات أكثر اتساعا من ذي قبل.
بسرعة ترك الرئيس وعوده خلفه ، الراحل عبد الحميد مهري تحدث قبل سنوات عما يصفه "بشهوة السلطة غير قابلة للمقاومة"، أمامنا نص دستوري لا يحمي الدولة من الانحراف ولا الشعب من التغول ، دستور صامت بلا روح يكرس نفس العقل السلطوي، الدساتير التي لا تتحدث تصمت ، وفي صمتها يولد الاستبداد، ويكبر في ظهرها (القوانين) الانحراف شيئا فشيئا ، نفس المقدمات تقود الى النتائج نفسها .

شوهد المقال 335 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك