عثمان لحياني ـ فائض الحزم فخ
بواسطة 2020-05-05 03:33:13

عثمان لحياني
من مخاطر فائض الحزم أنه يقود الدولة الى فخ تمييع الهيبة ، بحيث يصبح مفهوم الهيبة مرتبط بعدد المعتقلين وبعداد الملاحقين ، وتصبح السلطة منشغلة "باطعام وحش" السجلات القضائية ، ويأخذها الانشغال بتشغيل ماكينة البوليس بعيدا عن استحقاقات الاصلاح .
فائض الحزم يرتبط في الغالب بهوس بالغ بفكرة المؤامرة والمتآمرين، ويفتح قاموس ومفردات التهم الجاهزة لكل صوت معارض للرواية الرسمية ،وهذا يحول كل مواطن له رأي الى متهم ابتداءا ، بدلا من البراءة ابتداءا ، واذا كانت حملة الاعتقالات الاخيرة للنشطاء فرز أمني يستهدف اخلاء الساحة تمهيدا لمرحلة تعديل الدستور ومنع أية مقاومة أو تشويش، فان السلطة ليست بحاجة الى ذلك بالضرورة ، وقد مررت انتخابات وقوانين وفرضت مسارات في ظروف أكثر توترا، والمرحلة تستدعي خلاف ذلك تماما .
بالعودة الى فحص كثير من التجارب السابقة، القوى السياسية والمدنية التي تحاول ، كما الاعلام أيضا، تعديل مواقفها لصالح تصورات السلطة، اقتناعا بمبرر أو طمعا في محاصصة ،ستجد نفسها ضحية أيضا لفائض الحزم في لحظة ما .
لا خلاف على أن البلد ينام ويصحو على مخلفات كبيرة من فوضى السياسة والاعلام تحتاج الى اصلاح، لكن لا يمكن استبدال فوضى بفوضىن وتسيب بشطط ، والمرور من تطرف في المياعة السياسية الى تطرف آخر في الحزم المزعوم ، كلاهما شطط غير مقبول لا يصلح حال ولا يبني مرحلة.
كل هذا الخلل في مكامن الممارسة السياسية والمدنية والجسم الاعلامي المتهالك، الدولة هي المسؤولة عنه، وهي الصانع الأول والمدبر لأطرافه، وهي التي حددت رسمه، فلماذا يجب على المجتمع أن يدفع ثمن فوضى صنعتها السلطة بكل تفاصيلها اذن؟؟.
الاعتقالات التي ليس لها ما يبررها لا من حيث الدافع لها ولا من حيث الظرف ، تشين الدولة ولا تزينها ، وقوة الدولة لا يثبتها بالبوليس وهيبتها لا تقاس بالاعتقالات والسجون، وزرع المفخخات السياسية بقوانين "الغفلة" وتفخيخ المشهد واشاعة الخوف وزراعة القلق والحيرة ، بل في مرافقة المجتمع في مرحلة التحول ومنح " ميزان الشعرة القديم " زمنه الطبيعي ليستوي ويعتدل ، بعد فترة تمايل بين الحرية والمسؤولية تارة أخرى.
الاعتقالات لا تصلح أن تكون مشروع سياسي مطلقا، والجزائر الجديدة لا تبنى في السجون أبدا، والا لكان بن علي مازال يحكم تونس.
شوهد المقال 405 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك