حميد بوحبيب ـ لا تحزن...فالآلهة ليست معنا
بواسطة 2020-04-11 06:53:31

د. حميد بوحبيب
كثر الجدل واللغط بشأن ما بعد الوباء، وقد تصدّر فلاسفة الميديا منابر الخطاب، من سلافوي جيجيك إلى أغمبان، ونعوم شومسكي، وميشال أونفري...فضلا عن كبار المختصين في الاقتصاد الكلي .
الكل يكاد يجمع بأن هذا الوباء برهن على تهافت السياسات الليبرالية عبر العالم ، كشف عن الوجه البشع للرأسمالية ، إذ بدت القوى العظمى التي استثمرت في السلاح والطاقة النووية وغزو الفضاء ...عاجزة عن توفير كمامات ومحاليل تعقيم لمواطنيها.
محللون آخرون يهللون بإمكانية عودة النموذج الاشتراكي من خلال اقتناع العالم بضرورة الطب المجاني والصحة العمومية، والضمان الاجتماعي للجميع ...
آخرون، من خلفيات روحانية حينا وإيكولوجية حينا آخر يركزون على هشاشة الإنسان وعجزه أمام أسرار الطبيعة، مما جعلهم يستبشرون بكون المرحلة القادمة من تاريخ الإنسانية هي مرحلة إعادة النظر في علاقتنا بالكون، وهو ما سيعيد حتما بناء مفاهيمنا عن الموت والحياة والعيش المشترك والتضامن...الخ
أما الاقتصاديون فيبدو أنهم أكثر واقعية، حتى وإن طبعت خطاباتهم أحيانا مسحة دعائية لصالح إعادة ترميم النظام الدولي الجديد، وجعله أكثر إنسانية...
في رأيي المتواضع، أعتقد أن ما بعد الوباء لن يختلف كثيرا عما قبله :
الرأسمالية العالمية ستجد كالعادة آليات الانبعاث من جديد ، وستخرج مثلما كل مرة معافاة ، وسيزداد الأثرياء ثراء خاصة أرباب الصناعة الصيدلانية والمخابر العملاقة.
ستنهار اقتصادات الدول الهشة انهيارا فضيعا وستفرض وصاية جديدة عليها عبر بارونات صندوق النقد الدولي و ستزداد هيمنة الاقتصاد المصرفي في البداية مع عودة حركية التصنيع المحلي...ولكن العولمة ستتمدد أكثر فأكثر وستزداد ضراوة، سواء استمرت امريكا في هيمنتها أم خلفتها الصين...الأمر لن يختلف جوهريا.
الإنسانية مرت بأوبئة أكثر فتكا، وفقدت خلالها ملايين الضحايا ، وفي كل مرة عادت حليمة إلى عادتها القديمة، وعاد رأس المال إلى الهيمنة، ولم يعر أي حساب للحياة ولا للطبيعة ولا للآلهة.
ولا أصدق في هذا من مقولة سيوران: "تاريخ الإنسانية هو تاريخ كوارث في انتظار الكارثة النهائية".
فلا تحزن فالآلهة ليست معنا...نحن سادة الخراب وسننجح حتما في الانقراض يوما.
شوهد المقال 430 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك