صحيفة الوطن الجزائري : نوري دريس ـ مقري وثقافة المخزن... نوري دريس ـ مقري وثقافة المخزن... ================================================================================ نوري دريس on 02:52 29.02.2020 د. نوري دريس الحل الذي اقترحه مقري بنقل العاصمة إلى مكان آمن , يندرج ضمن ثقافة مخزنية كانت سائدة في المغرب الكبير الي غاية دخول الاستعمار ...ولا تزال مستمرة في الممارسات . كان للمخزن عدة قصور ملكية في عدة مدن, تجسد سلطة المخزن من جهة, ورمزيته من جهة اخرى , و لكن كذلك عاصمة احتياطية للهرب إليها في حالة عجزه عن مقاومة قبائل السبا التي تتربص لأخذ السلطة منه.. هذه الثقافة المخزنية, التي تتعشعش في مخ مقري, رغم انه ليس واعيا بها و لكنه استبطنها خلال مسار تنشأته السياسية و الاجتماعية, هي في الحقيقة ممارسة من طرف نظام السلطة, الذي يشكل مقري جزء منه و يلعب فيه دورا مناطا به, حتي في ظل قيام الدولة بعد الاستقلال.. العاصمة هي رمز للدولة وللمؤسسات الكبرى فيها, وحينما يسود منطق القبيلة والجهوية في التعيين فإن هذا عبارة عن رفض لمنطق الدولة الوطنية, وحينما تتخذ القرارات خارج المؤسسات الدستورية, فإن هذا أيضا تحديا لمنطق الدولة, وحين تزور الانتخابات فإن هذا كذلك رفضا لقانون ومؤسسات الدولة, وحين لا يحترم الدستور فهو ايضا تحد للدولة, وحين لا يستطيع او لا يريد القاضي, تطبيق القانون, فإن هذا رفضا لوجود الدولة... باختصار,العاصمة في الأنظمة التي لا تحترم القانون وتتحداه, هي عاصمة متنقلة ولو رمزيا تماما مثلما كان ينتقل عرش ملك المخزن او قصره حيثما حل وارتحل; العاصمة هي الملك, و النلك هو العاصمة و الدولة هي الملك والعاصمة..عاصمة الانظمة الشمولية متنقلة وغير ثابتة لانها محمولة في جيب وهاتف ومحفظة الاشخاص الشخص الذي شخصن الدولة فيه فيهم... كان المخزن في حاجة لنقل العاصمة باستمرار خوفا من القبائل المنتفظة التي تتربص به لاخذ السلطة, وهذا المنطق جعل الدولة في المغرب الكبير عاجزة عن الانغراس في الزمان والمكان. كل سلالة تهرب بالعاصمة الى حيث لا تصلها قوات القبائل الرافضة لها, ... أما دولة.اليوم, التي لا تزال تسير فيها السلطة وفقا لنفس القواعد والمعايير المخزنية, فهي ايضا تهرب بالعاصمة ورمزيتها السياسية من خلال عدم احترام المؤسسات السياسية والقانونية التي تنظم عملية صنع القرار و تسيير وتوزيع السلطة و يكون مقرها العاصمة... حينما رأت السلطة ان الشعب خرج في 22 فيفري ليطالب باحترام المؤسسات والقوانين, و تثبيت اركان الدولة, وارجاع القرارات الي مكانها القانوني, و احترام التشريعات القائمة, اي اخراج العاصمة من المحافظ, الهواتف, والجيوب وارجاعها الي مكانها الطبيعي, خرج علينا خدم الدولة للمطالبة بتهريب فعلي وجسدي للعاصمة الي حيث يعتقد هؤلاء المريدون أن اصوات المطالبين بثبيت اركان الدولة لا تصل, او انها غير موجودة.و بغض النظر عن كون تصور هؤلاء الخدم لسكان المدن الداخلية تصورا خاطئا متخيلا, لان الجزائريين في كل الولايات يطالبون بالدولة و ليس العكس, فإن تفكير هذا الخدم لا يختلف عن تلك الاحكام العنصرية المسبقة التي كان يرمى بها الحزائريون من قبل الاستعمار. هذه النخب السياسية التي انتجها النظام وفسح لها الطريق اصبحت خطرا وجوديا علي كيان الدولة, وعليها ان تعلم انه حيث حلت اقدامهم فسيجدون الجزائريين يطالبون بثبيت اركان الدولة بنفس العزيمة و الاصرار, وان وحدة الدولة قد فصلت فيها الحركة الوطنية ودماء الشهداء...