سعيد لوصيف ـ الجزائر التي خرج من اجلها الفحولة والفحلات : لن تركع

د. سعيد لوصيف
منذ أن برزت للوجود في حقل العلوم الاجتماعية، ظلّت النظرية النقدية على موقع من ضفاف المسألة الأخلاقية، محاولة في هذا الشأن دوما، الكشف عن الأسباب التعسّفية للهيمنات في مجمل أشكالها و أنواعها ومصادرها (الإيديولوجية، الدينية، الاقتصادية، الثقافية...الخ) ، "رافضة" اعتبارها حقائق اجتماعية مطلقة أبدية، و كأنّها قدر محتوم لايمكن تجاوزه.
إنّ أي تحليل او موقف لا ينطلق من فهم دقيق و موضوعي للشروط الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية التي تشكل النواة الصلبة للمجتمع ومكوّناته، يبقى تحليلا و موقفا لا يلامس الحقائق المجتمعية، الظاهرة منها والمستترة، ويمنعنا من القدرة على التمييز بين ما هو جوهري وما هو ثانوي في صراع المجتمع و رغبته في القطيعة مع نظام فاقد للشرعية و لا يحمل مشروعا مستقبليا على الاطلاق.
إنّ الاستناد الى بناءات فكرية كلّية ، أي بمعنى بناء أفكار ورسم تحليل عقلاني بعيدا عن تلك الوحدات الفكرية الجاهزة و المعزولة و الجامدة ؛ هو ما يمكّننا من خلال هذه الأفكار والمواقف أن نكون في علاقة وارتباط دياليكتيكي مندمج بشكل واضح في السيرورة التاريخية للمجتمع، وهو ما يبرّر مبدأ القطيعة الثورية.
مع العلم، و على خلاف ما روّج له في عديد المرّات عبر كل مراحل ثورة الجزائريات والجزائريين السلمية على النظام، فإنّ القوى المؤثرة في "الشارع" هي أوّلا و آخرا على ما أظنّ قوى جزائرية متجذّرة في عمق المجتمع ومكوّناته من اليمين واليسار (بالتقسيمات الكلاسيكية)، ويمكن للمتتبع للشأن الجزائري و الملاحظ السوسيولوجي ان يدركها من غير عناء. و على عكس ما تردّده العديد من "النخب" المتعالية على مجتمعها و الساكنة في بروج من الأفكار الزائفة التي ترى في الثورة أنّه تحالف بين قوى "علمانية / يسارية" و قوى "اسلامية/ يمينية" كما يحلو لهم تسميتها؛ فإنّني أعتقد أن مثل هذا التشخيص للواقع إنّما هو تشخيص خاطئ او مغالط، لأنه يعتمد على أداة تحليل مؤدلجة جاهزة، تختصر في كثير من الأحيان و تنقص من قدرة المجتمع ومكوّناته على التحوّل، حتّى و إن كان هذا التحوّل المجتمعي في بداياته الأولى يظهر أنّه هشّا.
و الحقيقة السوسيولوجية التي ينبغي علينا أن ندركها بعيدا ان أي استخدام سياسوي للأزمة او الصراع الحاصل، هي انّ المجتمع وبحكم التجربة التاريخية و المجتمعية و بخاصة تلك التي مرّ بها خلال عشرية تميّزت بجنون للعاطفة و احتقانات قاتلة ودموية، تشكّل له وعي جمعي سياسي طوال عشريتين على الأقل بعد سنوات الجمر، بعيدا عن أجهزة الحكم وتوابعها الحزبية، كنّا قد ظنّنا، جماعات وفرادى، و وفق حكم خطئ أنّ هذا الوعي قد غاب نهائيا واستكان إلى الأمر الواقع.
فالأمر هنا يتعدّى التحالف (السياسوي الظرفي) بين قوى سياسية ، بل هو توافق مجتمعي فعلي ناشئ ، يحاول أن يفرض ذاته كواقع مستقبلي يتخذ من التعايش السلمي والمسالم بين أفراد المجتمع ومكوّناته مرتكزا مجتمعيا أوّلا و سياسيا ثانيا. و إنّني اعتقد جازما أنّ هذا التحوّل هو مهمّ بمكان و ينبغي تثمينه و التأكيد عليه ودعمه، حتى نتمكّن فعلا من بناء دولة مدنية حديثة، بعيدة عن كلّ الاقصاءات.
شوهد المقال 424 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك