د. محمد هناد
إن جرت الانتخابات كما هو مقرَّر لها، ستكون نسبة المشاركة فيها مخزية، لكن أبواق السلطة قد بدأت تستعد للرد على ذلك منذ الآن. ستكون حجتها هكذا : أولا، إن الانتخابات كانت حرة ولم يُحرَم من خوض غمارها أحد. ثانيا، ليس بوسع السلطات فرض التصويت على أحد أو منعه منه مادام الانتخاب حقا وليس واجبا. ثالثا، القانون لا يشترط، أصلا، نسبة معينة كي تكون الانتخابات صحيحة ؛ علما أن الحجة القانونية تسقط في حالة ما إذا تدنّت نسبة المشاركة إلى مستوى غير معقول. إضافة إلى ذلك، كيف سيكون الحل لو امتنعت منطقة بأكملها (القبائل) عن التصويت ؟ وكيف سيستطيع الرئيس الجديد إقناع أهلها أنه رئيسهم هم أيضا ؟
ومع الأيام، سيتضح أن انتخابات 12/12 لم تكن، في نهاية الأمر، سوى رسكلة لنظام ساد منذ الاستقلال وتبديل عصابة بأخرى مع ظهور وجوه جديدة. كما ستكون تأكيدا لمزيد من تحكُّم القيادة العليا للقوات المسلحة في زمام الأمور. وبعد سنة أو سنتين، سيعلن الرئيس الجديد عفوا شاملا من باب وجوب طي صفحة الماضي والتوجه نحو المستقبل ؛ على غرار قانون المصالحة المشئوم الصادر عن الرئيس المخلوع. هكذا، ستتمكن "العصابة" المسجونة حاليا وذريتها من حرية التمتع بما نهبته من أموال الشعب طيلة سنوات. ولعل قائمة المرشحين الخمسة تؤكد ذلك مادام جميع عناصرها محسوبين على النظام، ولا أدل على ذلك، مثلا، من عدم إثارة أي من هؤلاء مسألة مدنية الدولة في "المناظرة" المزعومة التي كانت عبارة عن مجرد عرض محفوظات في قسم مدرسي.
مباشرة بعد تنصيب الرئيس الجديد، من المتوقَّع أن تلجأ القيادة العليا للقوات المسلحة إلى استعمال العنف السافر لمنع جميع أشكال التظاهر، مبررة ذلك بتجاوز الجزائر الفراغ الدستوري بعد إجراء الانتخاب. ستقول كفانا إضاعة للوقت ويجب توفير جميع الظروف للرئيس الجديد من أجل ممارسة صلاحياته كاملة والانطلاق في البحث عن حلول لمشكلات البلد الصعبة والتمكن من تمثيل المصالح الوطنية والدفاع عنها في التعامل مع الخارج.
ومما سيزيد في تشدد السلطات في تعاملها مع الجماهير هو الحاجة إلى اتخاذ قرارات غير شعبية كالتقليص من التحويلات الاجتماعية واللجوء - بالإضافة إلى الاستدانة الداخلية – إلى الاستدانة الخارجية التي عادة ما تكون بشروط قاسية، من بينها تخفيض قيمة العملة الوطنية التي هي الآن في حالة يرثى لها. أي أن البلاد متجهة نحو معدلات تضخم قياسية.
ومع ذلك، نتائج الانتخابات لن تكون بمثابة قيام الساعة بل سيكون من شأنها تقوية الحراك الذي لن يرضى بأن تذهب سدى 10 شهور كاملة من المسيرات العظيمة. الكفاح لابد أن يستمر، إذاً، وبطرق مبدعة في كل مرة. إن الأمر لا يتعلق بانتفاضة ضد رئيس أو حكومة أو عصابة بل ضد ممارسة سياسية مقيتة فُرضت على البلاد منذ الاستقلال.
سلمية... سلمية ! ولا أقوى من متظاهرين عُزّل !
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك