نوري دريس ـ الجزائر أمة تنتظر دولة القانون ..

د. نوري دريس
الخطة الوحيدة التي استعدت بها - أو وجدتها - ( السلطة ومؤسساتها القائمة) لمواجهة الأزمات الهيكلية(الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية...) التي تسببت فيها( العصابة) تبدو كما لو أنها تقوم على التشتيت الظرفي لوحدة الجزائريين.
في الواقع، لم يسبق أن واجه النظام السياسي في الجزائر سخطا شعبيا بهذه الشمولية ( 48 ولاية) وبشعار واحد( تتنحاو قاع)
استخدام النظام لبوتفليقة 20 سنة كاملة ادى الى استهلاك كل أوراقه، غرور السلطة أعماها وجعلها تتجاوز كل الخطوط الحمراء في إحتقار وإهانة الشعب الجزائري، وصل إلى حد ترشيح شيخ عاجز لعدة رابعة ثم خامسة...وهذا ما انتج ضدها سخطا عاما رفع سقف مطالبه إلى التغيير الجذري لنظام الحكم.
كان أول سخط شعبي واجهه النظام في اكتوبر 1988، لكنه استطاع اخماده عبر التلاعب بثنائية الاسلاميين والعلمانيبن، سمحت له بتبرير إلغاء الانتخابات و رفع سقف العنف الى اقصى حد بحجة محاربة الإرهاب الإسلاماوي..
لكن جزائر 2019، تظهر كما لو أنها أمة مكتملة ناضجة، ومجتمع جديد شفي من جراح التسعينات، وتجاوز التقسيمات والانقسامات الأيديولوجية الحادة التي قد تتحول إلى مواجهة عنيفة..
تدرك السلطة غريزيا أن ايقاف الثورة السلمية يمر أولا عبر تفكيكها وتفتيتيها، و خلق وتشتيت الجزائريين، وإيجاد مبرر لإنهاء المسيرات ولو باستعمال القمع في حدود صغيرة لا تثير السخط المحلي والعالمي..
بعد اندثار الانقسامات الأيديولوجية، لم يبق أمام السلطة إلا الانقسام الثقافي بين الأمازيغ (لقبايل تحديدا) والعرب( وهو انقسام طبيعي راجع على التعددية التي تعرفها المجتمع الجزائري لم سيبق أن أثار مشكلة منذ الاستقلال إلى اليوم حتى في عز الازمة الأمنية و السياسية للعشرية السوداء) ، يمكن استخدامه لاضعاف الثورة ثم اخمادها..
هذا الخيار هو تكتيتك سياسي لأنه آخر ورقة بقيت للنظام لدفع السخط الشامل عنه...
الأزمة في نظر السلطة ظرفية، تتعلق بخيانة بوتفليقة وعصابته للأمانة التي وضعها فيهم الجيش، ممثل الشعب وحاميه وسليل جيش التحرير.
كعربون ثقة، يقول الجيش انه سجن جنرالات ثبت تورطهم في الفساد، ورافق العدالة في سجنها لأفراد العصابة، أما ما تبقى من مهمة التطهير فسيتولاها الرئيس القادم الذي سوف ينتخبه الجزائريون كالعادة...
لا تمتلك النخب الحاكمة ثقافة سياسية حداثية تسمح لها بفهم أن الفساد سببه عدم استقلالية القضاء، وعدم استقلالية البنك المركزي، وعدم استقلالية الصحافة، وعدم استقلالية الاقتصاد عن السياسي.. وأنه مرتبط هيكليا بالاقتصاد الريعي التوزيعي الذي تهيمن عليه أوليغارشية تخنق المبادرة الخاصة و تحارب المستثمرين المنتجين...
ولهذا فهي عاجزة عن فهم مطالب الشعب بتغيير النظام...وتعتقد أن هذه المطالب التعجيزية، قد رفعتها نخب فرنكفونية تستغل سخط الجزائريين من بوتفليقة وعصابته للانتقام من الجيش ومن المؤسسات السياسية الأخرى..
السبيل الوحيد لمواجهة هذا الاختراق هو إنهاء الحراك قبل أن تدخل على الخط المنظمات الدولية و القوى العظمى المتربصة ...خاصة في ظل عدم وجود رئيس يستمد شرعيته من الانتخابات المباشرة التي تم اقراراها في دستور 1988 و لم يعد بالإمكان التراجع عنها....
إذا كان الاستقلال قد زود الامة الجزائرية بالدولة، كإطار جغرافي ذو سيادة معترف به دوليا،يستطيع حماية الامة من الاعتداء الخارجي، سواء بامضاء الجزائر لمختلف المعاهدات الدولية، أو ببناء الجزائر لجيش قوي يستطيع حماية التراب الوطني من أي عدوان خارجي..
إلا أن حماية السلم و التجانس الاجتماعي، و ضمان شروط النهضة الاقتصادية و الاجتماعية و الوقاية من الفساد..كلها مهام لم تستطع الدولة الوطنية أن تضمنها، و لهذا أحست الامة الجزائرية بضرورة الانتقال من دولة تسلطية مستقلة، إلى دولة قانون حيث السيادة بداخلها للشعب ، تستطيع أن تلبي جميع الوظائف داخليا( الازدهار الاقتصادي، الحريات العامة، السلم و التناغم الاجتماعي...) و خارجيا ( مكانة الجزائر بين الأمم و الدفاع عن مصالحها و عن إقليمها الترابي)...
نحن اليوم في لحظة مواجهة دينامكيتين، منطقين ومشروعين، و نجاح مشروع على آخر مرتبط بمجموعة من العوامل الموضوعية ( علاقات الانتاج و مدى استقلالية المجتمع المدني عن الدولة في عملية اعادة انتاج نفسه) وعوامل ذاتية التي لا يمكن توقعها أو احصائها...
قوة المشورع الأول( الانتقال الى دولة القانون) تكمن في شرعيته الأخلاقية من جهة، وفي كونه يتوافق مع التوق الأنثروبولوجي للإنسان للعيش في سلم وحرية وحماية الدولة..
أتمنى من سكان منطقة القبائل أن يستوعبوا جيدا أن منع الراية الأمازيغية و التضييق على بعض الناشطين المنحدرين من المنطقة لا يعكس عداء عنصريا تجاههم، بل هو مجرد مناورة سياسية يحاول بها النظام إنقاذ نفسه، و ربما عن حسن نية، انقاذ الجزائر في ضل تجارب الربيع العربي التي عرفت تمزيق أكثر من دولة بعد موجة حراك سلمي انتهت بحرب أهلية في ليبيا و سوريا و اليمن...
ويجب أن نتفق جميعا ان المشروع العنصري الوحيد الذي يوجد حاليا في الجزائر هو مشروع فرحات مهني الانفصالي، الذي يريد فصل القبائل عن الأمة الجزائرية.
شوهد المقال 812 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك