عثمان لحياني ـ تقديرات عسكرية لا تصلح بالضرورة في أرضية سياسية
بواسطة 2019-05-04 01:53:33

عثمان لحياني
يتعامل الجيش مع الراهن السياسي بمنطق عملية عسكرية ، يعتقد أن انزال حل للأزمة يحتاج الى عملية مسح وتمشيط للمحيط قبل نصب الخيمة ، وعلى افتراض حسن النوايا يُفهم أن الجيش يعطي الأولوية لتطهير المشهد من المجموعات السياسية والمالية والأمنية المتداخلة وشل قدرتها عن امكانية ارباك المسار الجديد.
لكن التباين في حديث الثلاثاء العسكري من أسبوع الى آخر ، يؤشر على مسألتين ، أن الموقف السياسي للجيش مرتبك يبحث عن نقطة ارتكاز بين ثلاث فضاءات ، الحراك الشعبي والمعارضة والمؤسسة الدستورية الهشة، وأنه لا يبدو مستعجلا في حسم الموقف لصالح خيار الحل السياسي ،برغم أن الحل الدستوري الذي يراهن عليه الجيش لا يملك المؤهلات لفتح ثغرة في جدار الأزمة ،بل انه مأزق في حد ذاته ويعتقل البلد بين نصوص متناقضة .
يبدو الوضع في حالة الى حل ابداعي ،في الحديث الأخير يعتقد الجيش أن "الحل في الحوار مع مؤسسات الدولة للخروج من الأزمة "، وفعليا لا يمكن التوصل الى حل دون فتح حوار هو في النهاية مآل طبيعي لكل الأزمات ويحدث حتى في نهايات الحروب والصراعات .
اذا كان الجيش مقتنع بالحوار بين القوى السياسية والمدنية ومؤسسات الدولة، وهو ( الجيش) احدى هذه المؤسسات ، وثاني الماسك بعصب السلطة والقرار في الوقت الحالي منفردا ، وثالثا لا الانتخابات التي يريدها الجيش مخرجا ستجري دون توفر ظروفها السليمة المطلوبة، ولا ما يطلبه الشعب يمكن أن يتحقق دون مرافقة من الجيش ، ورابعا لانه لا وجود لمؤسسات دولة جديرة بالحوار ( رئيس مؤقت وحكومة معطوبة وبرلمان معصوب )، وللأسباب السالفة ، فمن الشجاعة السياسية الانتقال من مرحلة تبادل الرسائل الى فتح باب الحوار المباشر بين الجيش والقوى السياسية والمدنية والحراك الشعبي ، يخلص الى خطة وأجندة انتقال سياسي متفق عليها تؤدي الى انتخابات سليمة في آجال معقولة.
واذا كان على قوى الاعتراض أن تلقي الخطوة الأولى في هذا السياق فليكن، لن ينقص ذلك من قيمتها في شيىء، ولن يكون اختراعا سياسيا وليس تجاوزا لأي عرف دستوري ، سبق لقائد الجيش في عهد الرئيس المخلوع أن استقبل رئيس حزب سياسي ( لويزة حنون)، وتفاعل مع مخرجات سياسية لحزب آخر ( تهنئة عمار سعداني ) .

هكذا مسعى يمكن أن يخفض الكلفة ويحسب لصالح البلد ويصب في رصيد الحل أكثر من رصيد الأزمة الراهنة ، أكثر من ذلك يحمي الجيش من الاقتراب أكثر من نقطة التصادم مع الخيارات الشعبية ،ويعفيه من تحمل منفردا أعباء المرحلة ، يفترض أن يكون الجيش والمعارضة والحراك قد انتهوا من نقاش المبادىء وتبادل الرسائل بين مظاهرات الجمعة وخطاب الثلاثاء العسكري ، ومن المهم الدخول في نقاش التفاصيل بدلا من اضاعة الوقت..الا اذا كان الجيش قد أعجبه بلعبة "حاكم الظل"، في هكذا حالة على قيادة الجيش أن تضع في حسبانها أن الحراك لن يتوقف دون تحقق المطالب المركزية، وانه ليس من مصلحة أحد تقليص مسافة الاحترام بين الجيش والشعب.
لا يجب ان يكون الجيش ضحية لتقديرات عسكرية لا تصلح بالضرورة في أرضية سياسية ، وفي المقابل لا يجب ان يكون الحراك والمعارضة ضحية لاحترام مبالغ فيه للجيش، في الحالتين يتعقد الوضع أكثر وتزاداد الكلفة والأعباء.

شوهد المقال 716 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك