زوايمية العربي - 8 ماي 1945 في قالمة " مقتل دومينيك، ابادة أسرنا وافلات جوليا " 1/2

زوايمية العربي
فلنبدأ من فجر 9 ماي 1945 ، عندما استيقظت مشاتي دوار صفاحي بلدية الصفية commune mixte de la safia على صراخ سي غزالي عم والدتي ، وهو يشتم الجميع : يا جبناء ، يا كلاب ا تخا فون من الموت ،هربتم البارحة من السوق ورجعتم الي بيوتكم ؟ هيا الجهاد في سبيل الله هيا نثأر لموتانا ونزحف على قالمة . فكان رد الجميع وبماذا سنزحف ؟ فقال سي غزالي : نزحف بما عندنا : بالفؤوس بالعصي وحتى بالمناجل ...هيا يا جبناء هيا للاستشهاد.
كانت الاخبار جد اليمة حول ما وقع في مدينة قالمة ذات عشية من 8 ماي 1945 بقيادة رئيس المقاطعة اندري اشياري ، حيث قامت المليشيات التي تم تشكيلها ابتداء من 14 افريل، بمحاصرة واغتيال عدد معتبر من القرويين الذين تنقلوا للسوق الاسبوعي من النواحي المجاورة وكذا من تبسة، عين البيضاء ، واد زناتي ، سدراتة ، سوق اهراس عزابة وخنشلة . تقول المعلومات ان المظاهرة التي دعت اليها حركة احباب البيان والحرية وحزب الشعب يوم 8 ماي ، شهدت حضور اكثر من اربعة الاف شخص كان نصفهم من الفلاحين الذين قدموا لسوق يوم الثلاثاء القالمي . اما الذين يسكنون في الحي العربي لقالمة، فكانوا في النصف الاخر بما فيهم المنخرطين القصر التابعين للكشافة الاسلامية . الموكد هو ان مخطط اشياري المجرم كان رهيبا لأنه بمساعدة البياعين والخونة وكذا رئيس الهيئة اليهودية المحلية احد اقرباء المفكر Atali، اقول انه استعد لذلك خاصة بعد تعفن الوضعية اثر نفي مصالي الحاج الى كنغو برازفيل في 23 افريل 1945. لكن بعض المصادر الموكدة بما فيها احد الاقرباء و الذي كان يشتغل بمحكمة قالمة ، اقروا ان اندري اشياري علم من قبل ، بتحركات مرسلين وموفدين من احباب البيان والحرية حين كانوا يتجولون في البلدية المختلطة للصفية والبلدية المختلطة لواد الشارف .للعلم تحتوي دائرة قالمة التابعة لإقليم قسنطينة في ذلك الوقت، على ثلاث بلديات مختلطة رئيسية هي بلدية سوق اهراس المختلطة ومقرها بالزعرورية ، بلدية الصفية وهي المركزية والاكثر سكانا ومقرها المشروحة رغم ان حدودها تقترب من مقر الدائرة قالمة ،و اخيرا البلدية المختلطة واد الشارف ومقرها عين حساينية . تتميز مدن كسوق اهراس وقالمة وهيليوبوايس -وبومهرة احمد –وبوعاتي- ولفجوج بصفة البلديات المدنية الاوربية Communes de plein exercice . اما البلدية المختلطة لسدراتة في الجنوب وكذا بلدية واد زناتي غربا فهما تتبعان مباشرة الى دائرة قسنطينة، الشي الذي جعلهما خارج ادارة المجرم اشياري .
الصورة الاولى
كان أبي قد غادر مدرسة سدراتة في جوان 1943 في سن 13 عام ،وعاد الى ابويه في بلدية الصفية Sefia الموجودة في تراب دائرة قالمة وهذا بعد ما قدمت الفرقة 319 للمقنبلات الامريكية واستقر الجنود الامريكيون في المدرسة الوحيدة او بما يعرف لاحقا ب CEG. الحياة كانت صعبة وتقول المعلومات انه مثلا في منطقة بوشقوف القريبة من الناضور ، كل المحاصيل كانت تأخذ بالقوة واضطر السكان الى اكل الحشيش في بعض المناطق وحتي في نواحي واد زناتي وكذا سدراتة . اذا، ما كان على ابي ،الساكن عند اخواله ، الا الرجوع الى البادية عند ابويه . يتذكر الجميع انه في النصف الثاني من شهر مارس 45 و في تلك المنطقة، قدم شخص يدعى الحركاتي وهو مسؤول ينتمي الى احباب البيان والحرية الحزب الذي يقوده فرحات عباس و الذي يكون قد عقد مؤتمره في الجزائر يوم 2 مارس 1945 . احدث قدوم الحركاتي الى بلدية الصفية نوعا من الخلط خاصة ان جدي وعشيرته ، كانوا منخرطين في حزب الشعب وشديدي التعلق بمصالي الحاج ولان جدي شخصيا كان دائما يفتخر بعقد الزواج الجزائري الممضي من طرف نفس مصالي الحاج عند قدومه الى قالمة نهاية الثلاثينات . للإشارة وبدون مبالغة ،تعد قالمة ونواحيها في ذلك الوقت، من المناطق الجزائرية الاكثر تنظيما من الناحية السياسية وكان الجميع يدفع اشتراكاته بصفة منتظمة وتتم حسب مخطط عائلي في المدينة ، عموما يأخذ صفة اقليمية في المشتة . صعد الجميع الى الهضبة وكان ابا والدي يدفع امامه ابنه الوحيد المتعلم الذي رجع من سدراتة، وهذا كي يراه الحركاتي الذي قام برفع اللبس عن الخلاف بين احباب البيان وحزب الشعب ، ولكن الشي الذي افرح الجميع هو ان الحركاتي قال الجملة التالية: بلدنا سيأخذ استقلاله قريبا ويروحوا الرواما ...وارجو ان تبقوا بالاتصال بمسؤول الحزب في قالمة ليعلمكم يوم التظاهر وسيكون يوم سوق اسبوعي انشاء الله . اخرج حركاتي قماش اخضر وقال للجميع ها هي رايتنا. حسب شهادة جدي فان العلم الذي قام بإظهاره الحركاتي هو اخضر تتوسطه دائرة فيها هلال ولا يشبه العلم الجزائري الحالي . هذه الشهادة احتفظ بها والتي تناقض تماما شهادة شوقي مصطفاي الذي يزعم العكس والذي كان بعيدا على منطقة قالمة .على العموم ان في مظاهرة قالمة يوم 8 ماي، كان خليط من الاعلام وليس علم واحد ، وتقول شهادة احد الناجين من عائلة فاضل، ان هناك علم كتب فيه الله اكبر، كما يقول الساسي بن حملة احد قائدي المسيرة انه كان يرفع علم كمثل العلم الجزائري وهذا الكلام غير مؤكد لان شخص يدعى ورسطي بقربه ، كان يحمل علم مغاير تماما.
الصورة الثانية
لا احد يعلم ما وقع في قالمة المدينة بعد ليلة 8 ماي 1945 الا سكانها، ومن يدعي عكس ذلك فهو كاذب . وكذلك لا احد من سكان قالمة كان يعلم بما حدث في البلديات الاخرى او المناطق البعيدة، ومن يدعي عكس ذلك فهو كاذب . كانت قالمة المدينة التي عزلت عن العالم ، تضم حوالي 20200 ساكن من بينهم 15600 جزائريون مسلمون وفيهم عدد قليل ممن تحصلوا على المواطنة الفرنسية . هؤلاء الذين يتمتعون بهذه المواطنة الحقيرة ، كانوا عموما من جزائريي الخدمات الذين قبلوا بالصفة الاستعبادية ، اما باقي الجزائريين الذين ليس لهم اي وضع مدني الا Indigene فهم في نظر الاوربيين، عبارة عن اشياء . والقليل (القليل جدا) يعلم ان مسؤول استعماري ثمن الطريقة الاسترالية ، فاقترح في الثلاثينات ، ضمهم الى ادارة الكائنات والغابة La faune et la flore .كان من المعقول القول ومنذ زمان ،ان الموطن الاصلي للنازية والفاشية هي فرنسا والفرنسيون ،هؤلاء الذين كان تعدادهم في قالمة 4600 من بينهم 780 يدينون باليهودية .ومن بين 4600 عنصري مجرم يوجد الدركي القاتل غناسية من مدينة عزابة، وهو قريب انريكو ماسياس.لا نريد ان نكون مجحفين ونقول انه تعاطف مع الجزائريين في 1945، 3 فرنسين واحد منهم طبيب وكذا يهوديان من بينهم الثري التاجر نابث الذي دعم ماليا المتابعات القضائية اثر قتل الزهراء رقي واخويها ...الاكيد ان كل الخمسة الفرنسين واليهود يستحقون الاحترام والاشادة . المهم ...عملت فرنسا وصحافتها ومفكريها بكل اصنافهم ،على اللعب على ارقام الموتى وانكار الابادة والهولوكست الذي تعرض له الجزائريون المسالمين ، اي الجزائريين الفقراء الذين كان ذنبهم الوحيد التظاهر في ماي 1945 .في هذا المقال نحن مستعدين لرفع التحدي بالأدلة وبالأرقام وفق معادلة العدد والاقليم وكذا الزمان . لأن عدد القتلى في ماي 45 وفي كل الجزائر مازال يتعرض لأيديولوجية الانكار والمراجعة الحقيرة . تقول الروايات ان رئيس دائرة قالمة السفاح اشياري كان على علم منذ مارس 1945 بمخطط التظاهر و تحصل على موافقة الحاكم العام بالجزائر وكذا مسؤول ناحية قسنطينة ، وهذا لأخذ الاجراءات اللازمة لتلقين الجزائريين درسا لن ينسوه . كان الشعار: فرنسا في بيتها . المهم برمج الفرنسيون الفاشيون الموت على محورين : الاول وسط المدينة بالقرب من ساحة القديس اغستين وسقط فيها اول شهيد وهو بومعزة والمحور الثاني هو حزام مكون من مجرمين انتشروا من الجهة الغربية والجنوبية والشرقية لغلق طرق سكيكدة قسنطينة ، الطريق الجبلي لعين الصفراء ، الطريق الجبلي ماونة عين العربي الطريق الجنوبي لسدراتة والطريق الشرقي لسوق اهراس . ترك المنفذ الشمالي مفتوحا حتى هيليوبوليس لأنه تم تشكيل في هذه البلدية مليشيا مستقلة لإقامة الحواجز ومراقبة المنفذ الرئيسي نحو عنابة . بدأت حملة قتل الجزائريين من 8 ماي 1945 واستمرت 3 اشهر وتقول بعض الشهادات ان القتل في بوادي بلدية الصفية المتكونة من دوار صفاحلي ، الناضور وعين القطن استمر الى 25 سبتمبر 1945. لا اريد الرجوع الى مجزرة قالمة والصور المرعبة لفرن كاف البومبا 7 امتار على 5 عرض وعلى عمق 5،3 م وحرارة 1000 درجة ، ولكن من المؤكد ان حوالي 2300 الى 2700 جريمة اقترفت في المدينة وحدها وبعض العائلات من مدور سريدي ورسطي وباجي تم سحق كل رجالها . تكون بلدية الصفية وبلدية الشارف من جهة اخرى قد شهدتا موت حوالي 5200 شخص بما فيهم اطفال ذوي الستة اعوام وهذا اذا وضعنا معيار 60 الى 65 جريمة بكل مشتة واذا كان تعداد المشاتي اكثر من 80 . نستطيع القول كذلك ان حوالي 400 شخص قتلوا في الاماكن المحاذية لدائرة قالمة خاصة من جهة دوائر سكيككدة قسنطينة وعنابة كل هذا مع زيادة 1500 جريمة اقترفت في البلديات المدنية de plein exercice كهيليوبوليس ،بومهرة ، بلخير ، بوعاتي ،الفجوج ،بوشقوف (دائرة عنابة) وقلعة بوالصبع ومستوطنيها الالمان ، في حين ان لخزارة وعين العربي كانتا تتبعان للبلدية المختلطة واد الشارف . في 1945 بلغ تعداد الجزائريين في دائرة قالمة حوالي 185000 فردا . اذا استثنينا منطقة سوق اهراس بشقيها المدني والمختلط فان الباقي كان حوالي 125000 من بينهم مايقرب 60000 في المناطق الوسطى المكونة اساسا من بوادي بلدية الصفية . من البديهي جدا ان منطقة قالمة وما جوارها، تكون قد شهدت قتل بين 10000 الاف الى 11000 شخص . واذا اضفنا ضحايا منطقة سطيف الذين قد يتجاوز عددهم ضعف ضحايا قالمة ، ثم اذا تطرقنا الى الاربعة الاف منسي فان الرقم يعطينا قطعيا صفة الابادة . المنسيين هم من مناطق جيجل الجنوبية ومناطق اوقاص ،سوق الاثنين وسواحل سكيكدة وعنابة الذين تعرضوا لاستعمال السلاح الثقيل عبر القصف البحري والجوي . كل هذه الارقام اذا وضعناها في قالب وطني مع ضحايا مدينة سعيدة ومدن اخرى في الغرب الجزائري ، فان 45000 جريمة بهامش خطأ صغير يبقى رقم جد صحيح . للعلم ان الكثير من الجزائريين لم يصرحوا بموتاهم في حين صرح الباقي، سنوات من بعد اي سنة 1951 و 1952.للاشارة انه تم سجن حوالي الفي شخص عقب مجازر 8 ماي ولم يسجن اي فرنسي من قالمة . هؤلاء السجناء كان معظمهم معني بحكم الاعدام لكن محاولات نواب فديدرالية المنتخبين لنجدة ابناء جلدتهم ، بقيادة البشاغا بن شنوف نائب خنشلة وكذا النواب بنعلي الشريف ، بن جلول ولخضاري كللت بالنجاح في اطار تعميم قانون العفو لفيفري 1946.
الصورة الثالثة
كادت فرنسا في سنة 1880 ان تربح معركة الديمغرافيا في قالمة وفي كل الجزائر لان عند دخولها في 1830 كان البيالك الثلاث ، يحتوون على 3 ملايين ونصف المليون ساكن . في1879 اصبح كل سكان الجزائر في عدد يتراوح 1،2 مليون ،وتكون منطقة قالمة قد فقدت نصف سكانها في تلك الفترة ففرح كلاب فرنسا وقاموا بفتح الهجرة للألمان والايطاليين والمالطيين للضفر بالنصر الكاثوليكي الديني، في حين كسروا المنطقة الغربية للجزائر بالمهاجرين الاسبان .تلك قالمة التي وصلها الفرنسيون في نوفمبر1836 قادمين من عنابة وقائلين حسب القائدRigny :نحن ذاهبين الى قلاما kelama لوضع حد للفوضى التي يحدثها اولاد ضاعن والقبائل الاخرين Dhaan et autres kabyles . لم ينجح الالفي مقاتل في ديسمبر 1836 من هزيمة الفرنسيين الذين وضفوا جيدا النعرات القبلية التي انتهجوها ابتداء من عنابة الذين دخلوها في افريل 1832. تجربتهم اوصلتهم لخلق تحالف كبير ادى بهم الى مهاجمة قسنطينة مرتين في 1937 واحتلالها انطلاقا من قالمة . كانت قصة الجزائريين في المنطقة تدعوا الى البكاء والضحك في نفس الوقت ، وهذه الوضعية هي التي تدفعنا للقول، ان فرنسا استطاعت ان تحتل الجزائر لتوفر النعرات والانقسام فقط . لا داعي لتسمية القبائل ولكن قبل مجيئ الفرنسيين ،كان باي قسنطينة الذي يملك الاراضي في قالمة ، يفضل قبائل ويعادي قبائل اخرى . عند قدوم الفرنسيين، اصبح اصدقاء الباي اعداءه وتحالفوا مع المستعمر الأوربي ،هذا المستعمر الذي وعدهم بامتلاك الأرض وانهاء وضعية الانتفاع المجحف لانهم ظلوا لسنوات ، عبيد الباي ، في حين ان اعداء الباي اصبحوا من المدافعين على قسنطينة، حين ارسلوا مجموعات من الخيالة المسلحين بالخناجر والسيوف . العبرة هي انه عند الانتهاء من احتلال قسنطينة ،بدأ ت في قالمة وفي 1839-،1840عملية ترحيل القبائل الاصلية والمعادية لفرنسا ، هذه القبائل و التي عند تفكك المنهج الحضري، اصبحت تسكن في خيم الشعر المصنوع من جلد الماعز والمنتشرة في هضبات واد المعيز وبن جراح . دفع هذا الترحيل الى مقاومة انتهت بهجوم قام به الجنرال روندن Rondon في 11 ماي 1842، والذي امتد من واد حلية الى جبل عين السوداء ومن عين السوداء الى الكاف لعكس نواحي قبائل الحنانشة . حذفت هذه القبائل المسماة اغمراسن من كل الوثائق الادارية العقارية وحاول المستعمر اعطاءها اسماء غريبة عند ظهور الحالة المدنية بداية 1881 . في 1844 قام الفرنسين بأخذ كل الاراضي بما فيهم اراضي العرش و اراضي باي قسنطينة وصودرت الصفة التنظيمية لمنهج الحبوس. في بداية 1848 بدأت السلطات الاستعمارية باستقدام اجزاء قبائل من الاوراس والحضنة والقبائل الصغرى وجيجل بعدما قسمتها في مناطقها الاصلية . ادخلت فرنسا المنطقة في صراعات لم تنته الا في بداية نوفمبر 1954 حين قررت جبهة التحرير الوطني ، استعمال طريقة الذبح بالسكين ومنطقة قالمة كانت نموذجا لذلك المنهج . كان هدف فرنسا في بداية 1848 ،هو قتل الجزائريين جوعا وفقرا ، لذلك خططت لتكسير المد التقليدي القبلي القالمي . فعندما جيء بجزء من بني مرمي مثلا ،والذين عاقبتهم فرنسا على ثورتهم في1852 في ارضهم الاصلية، كان العدد عند قدومهم حوالي 120 اسرة . في1878 اصبح تعداد هذه القبيلة 16 عائلة . كان الدرس قاسيا ، لكن الجزائريات رغم الالام والعذاب والفقر المدقع ، لم يتوقفن على الانجاب واصبح جليا في نهاية 1840 وفي منطقة قالمة خاصة ، ان فرنسا خسرت المعركة الديموغرافية .
جريدة الفجر الجزائرية
شوهد المقال 2497 مرة
التعليقات (1 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك