عاشور فني - نماذج جديدة للمعارضة السياسية في الجزائر؟
بواسطة 2015-03-08 03:01:39

د.عاشور فني
تآكلت نماذج المعارضة الإيديولويجية للنظام من خلال القادة التاريخيين للأحزاب والتيارات السياسية: أيت احمد ومحمد بوضياف ونحناح بفعل ظهور معارضة شعبوية راديكالية لا يهمها سوى تغيير النظام ولو بتأسيس بديل أسوأ منه. تلك المعارضة الشعبوية قادتها في مرحلة معينة نماذج قيادات الفيس المحظور وحزب العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية التي كانت تحاول الظهور بمظهر البديل الراديكالي الذي لا يفاوض ولا يهادن. ولو أن تأسيسها كان بإيعاز من جهات داخل النظام نفسه. ثم أخرج النظام نماذجه الجاهزة واغرق الجميع في فيض من الحزيبات التي لا تظهر إلا في الانتخابات ثم تختفي في رمال الوضع المتقلب خلال فترات مديدة في انتظار العهدات المتتالية. أحمد طالب وحمروش وغزالي وبن فليس هم ابرز رموز تلك الموجة. تم استهلاك نماذج التيار الأول (ف.ف.س وحماس نحناح والنهضة الأولى بقيادة جاب الله) بإدخاله في صلب النظام بتحالفات وائتلافات منقذة للوضع. وتم إنهاك التيار الإسلامي بتورطه في العنف الإرهابي وتفتيته إلى رموز فردية يطمح كل منها إلى قيادة إمارة على مقاسه بدون مشروع سياسي واضح. أما التيارات الديمقراطية (ر سي دي وحزب العمال) فتم إنهاكها بتوظيفها كأرانب انتخابية تزيد من حماس الناخب وتسمح للسلطة بإخراج النتيجة التي تريدها. وهناك آلية أخرى لتدجين الأحزاب الكبرى في المعارضة وفي السلطة على السواء وهي إحداث انشقاقات داخلية وتشكيل تصحيحيات لكل من حاول الخروج عن الخط المرسوم. يستوي في ذلك الموالي والمعارض. وأخيرا وجدت السلطة نفسها في حاجة إلى تبرير وجودها بخلق نسخ جديدة من تلك النماذج القديمة. نسخ أقل قوة ولكنها أكثر ضجيجا: هي النماذج الحالية لكل من النهضة وحمس وحزيبات أخرى لا ندري كيف صارت جزء من المعارضة.
لكن من بين كل هذه الرموز أمكن للحراك السياسي منذ سنة أن ينتج نماذج مختلفة عن نماذج المعارضة الإيديولوجية التقليدية. نماذج قيادات معارضة مختلفة عن نموذج المعارضة الرسمية المألوف. معارضة غير إيديولوجية لا وطنية ولا إسلامية ولا يسارية ولا يمينية ولكنها تقف بوضوح في وجه نظام الفساد وتدعو إلى مستقبل مختلف. وهي تقف الآن ممثلة في أحزاب أو تيارات أوحركات لم تقم على أسس إيديولوجية تقليدية في الثقافة السياسية الجزائرية الممثلة في الخطاب الوطنياتي أو الإسلامي أو اليمين او اليسار. بل تقوم على فكرة المواطنة والمشاركة والتحليل المعمق للوضع والمواقف الجذرية. نماذج تظهر في أوضاع معينة نفرزها الحركة اليومية لفئات اجتماعية متنوعة. وقع ذلك في معارضة العهدة الرابعة منذ سنة. ثم في معارضة استغلال الغاز الصخري. وما يميز هذه النماذج هو قياداتها المثقفة والشابة والقادرة على قيادة التحركات الميدانية وعدم مشاركتها في تحالفات النظام فلم يسبق لها تولي مسؤوليات سياسية كما أنها تعتمد خطابا سياسيا شعبويا قادرا على اجتذاب فئات جديدة إلى العمل السياسي... لا يعني ذلك أنها أفضل أو أسوا من النماذج المعروفة التي لها تيارات سياسية مهيكلة اجتماعيا لكن المهم أنها تقدم نموذجا بديلا في العمل والخطاب وأسلوب التعاطي السياسي قد يكون أكثر قدرة على خلق ثقافة سياسية مبنية على أسس جديدة.
إن أزمة النظام الحالية هي أزمة قيادات استهلكت وانتهت صلاحيتها ولكنها غير مستعدة لإخلاء المناصب التي تحتلها ولا قادرة على تغيير الأوضاع نحو المستقبل. ولذلك تشبثت بالعهدة الرابعة لعجزها عن إيجاد بديل لما هو قائم. وإذا كانت العهدة الرابعة قد أفرزت حراكا سمح بروز هذه النماذج الجديدة فذلك يكفي للتفاؤل بإمكانية حلق فضاءات سياسية جديدة تنجب قيادات مختلفة لجزائر المستقبل. ورب ضارة نافعة...
شوهد المقال 1388 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك