كاظم مرشد السلوم - الواقعية المغربية في فيلم جوق العميين للمخرج محمد مفتكر
بواسطة 2015-08-14 23:45:47

كاظم مرشد السلوم
لا يختلف فيلم المخرج المغربي محمد مفتكر " جوق العميين " الحائز على جائزة الوهر الذهبي في مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي ، عن افلام الواقعية للعديد من السينمات العالمية ، كونه يتناول فترة مهمة ومفصلية من تاريخ المغرب ، ايام الفصل بين الجنسين ، وصعوبة العيش والفاقة التي كانت تطال شرائح كبيرة من المجتمع المغربي ، ويأخذمفتكر جوق موسيقي مثال معبر عنها .
العنوان
جوق العميين هو عنوان الفيلم الذي يحيلك اول ما تقرأ مفردة جوق الى الموسيقى ، كونها تطلق على المجموعة الموسيقية التي يشتغل افرادها مجتمعين ، كذلك فثمة ظاهرة ترافق هذه المجاميع هو وجود كفيفي البصر في العديد منها . لكن حكاية الفيلم تأخذ العنوان كمدخل لحكاية جوق موسيقي لا يوجد فيه أي عازف اعمى ، بل المفارقة تمكن في التسمية وسبب اختيارها .
الحكاية
حكاية الفيلم تتمحور حول فرقة موسيقية او جوق ، هم اقرب الى الاسرة منهم الى الجوق ، فهم يعيشون سوية في بيت كبير وواسع ، يعيشون من احياء الحفلات لمختلف المناسبات , ولقلة العمل وبسبب فصل الجنسين في الحفلات ، يلجؤون الى حيلة التظاهر بالعمى لجميع اعضاء الفرقة من الرجال ، لكي يستطيعوا احياء الحفلات التي تقتصر على النساء ولا يسمح لدخول العازفين الرجال فيها باستثناء العميان منهم ، رجل احد من اعضاء الجوق لايشمله هذا كونه " مثلي " !!.
الاب " يونس ميكري " لا يريد لابنه الصغير ان يصبح موسيقيا مثل ابيه ليعيش نفس المأساة ، لذلك يدخله الى المدرسة ويحرص على ان يكون مجتهدا ، لكن الطفل يتأثر بعمه اليساري" فهد بن شمسي " الذي يملأ البيت حركة ونشاطا ، صديقه الموظف " محمد بسطاوي " الذي يعمل مع الفرقة ليلا ، ربما حبا في الموسيقى او لعوز مادي ، الشيخة التي تقود الفرقة " سليمة بن مؤمن"، الجارةالشابة الصغيرة التي يتعلق الصبي بها ، والتي يسرق من اجلها الكعك ، البنات الراقصات اللواتي يبحثن عن فرصة تخرجهن من هذا الواقع .
حفلات عديدة يذهبون لها سوية ، محاولين قدر الامكان اسناد بعضهم لبعض ، وتجنب اساءات الرجال السكارى للبنات ، فهم في الاخر عائلة واحدة ، وان تباعد النسب قليلا .
لكل طموحاته ومغامرته ايضا ، الاب ، الابن العم ، البنات ، السطوح المكان الاكثر ملائمة لهذه المغامرات ، وهي دلالة على الحاجة لفضاء يوفر الهواء النقي والمتعة ، والاختباء من اعين الاخرين كذلك ، مابين مد وجزر ، تستمر هذه المغامرات التي ستكون احد سبب تشتت الجوق والعائلة مستقبلا .
في احد الليالي يدعى الجوق الى حفلة خاصة بالنساء ، وبالتالي عليهم العودة للعبة الادعاء بعمي الرجال ، ثمة امرأة مسترجلة تفحص الداخلين من الرجال توافق على دخولهم كونهم عميان ، وتوافق على دخول " الشاب المثلي " كونه لايميل للنساء .
لكن احدهم يرتكب خطأ كبيرا في استمرار نظره لعجيزة امرأة ، قدمت لهم الشراب ، لتنتبه المراقبة ويتعرض الجوق كله الى الضرب والاهانة ، والحبس ، حتى يتدخل الموسيقي الموظف ويتوسط بإخراجهممن السجن ، مثلما يفعل دائما ، من هذه الحادثة تبدأ مرحلة الفرقة التي تطال الجوق بجميع اعضائه ، تعززها اكتشاف زوجة الاب لخيانة زوجها ، واعتقال الشاب اليساري ، ورحيل الجارة الصبية . وموت الاب نتيجة مرض عضال ربما سببه تأنيب الضمير الذي انتابه لوشايته بأخيه ، بعد معرفته بنقل ابنه لكراسات يسارية الى المدرسة .
الاشتغال
لم يدخر محمد مفتكر جهدا في تحريك كاميرته بشكل فاعل داخل المنزل الكبير الذي تجري معظم الاحداث ، حيث فاقت المشاهد الداخلية نظيرتها الخارجية بكثير . مؤثثا المشاهد وعمق المجال بثراء صوري واضح ، أكملهاباستخدام وتوظيف عميق لعناصر لغته السينمائية الخاصة به ، واقصد هنا " توظيف كل عنصر من هذه العناصر بما يناسب ، الحدث ، الشخصية ، المكان ، وكذلك الزمان .
التعامل مع الممثل السينمائي ليس بالأمر الهين ، خصوصا في حكاية مثل حكايةهذا الفيلم ، لان الشخص الموسيقي يختلف تماما عن المشتغلين بمهم اخرى ، الامر الذي يفرض على الممثل ان يتماهى تماما مع الشخصية المسندة اليه ، وهذا التماهي لا يتحقق بدون توجيهات المخرج ، ونجح مفتكر في ذلك الى حد كبير حتى لتشعر انك امام شخصيات موسيقية حقيقية ، عاشت هذه الاحداث .
البناء الدرامي ضمن خطه العام ، لم يكن فيه الكثير من التعقيدات او الحبكات والازمات الثانوية ، فجاء خط عاما تقليدي ـ أي خط درامي أرسطي ، بداية ووسط ونهاية ، وهو امر يعود الى ان الفيلم يندرج تحت افلام الواقعية التي تتطلب هذا النوع من التمسك بالخط الدرامي .
تأويل النص المرئي
يطرح الفيلم من خلال نصه المرئي الكثير من التأويلات ، منتقدا لفترة زمنية من تاريخ المغرب ، وكيف كان المجتمع يتعامل مع الفرق الموسيقية او الجوق ، في ذلك الوقت .
الاب رمز ربما لجيل عاش الضياع ويبحث عن فرصة لأبنائه الصغار او لجيل جديد ، لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه .
اليسار المغربي في السبعينات ، وكيف واجهته السلطة في ذلك الوقت ـ وصولا الى زمن الفصل الجنسي ، الذي ربما تعود اليه بعض الدول العربية الان .
شخصية " المثلي " لها دلالتها الواضحة في تقبل المجتمع في ذلك الوقت لمثل هكذا اشخاص والتعامل معهم بشكل لطبيعي ، وهو امر لم يعد مثلما كان " حادثة المثلي المغربي الذي تم الاعتداء عليه من قبل العشرات في الشارع " ، وعبر محمد مفتكر عن ذلك في مشهد السجن حيث لم يوضع هذا الشاب المثلي لا في غرفة السجن التي وضعت فيها النساء ولا تلك التي وضع فيها الرجال ، بل بقي جالسا على مسطبة بين الغرفتين .
بساطة الحياة والألفة الاجتماعية التي كانت سائدة بين الناس في تلك الفترة ، التي خفت وتيرتها في عصرنا الحالي ، خصوصا بعد التطور التكنولوجي الكبير .
الاداء
كان أداء الممثل الراحل محمد بسطاوي رائعا وهو يتقمص دورا لشخصية فيها من الازدواجية الكثير ، كذلك يونس ميكري ، ومنى قتو ، والشيخة " سليمة بن مؤمن " التي ادت دور الشيخة بصورة اكثر من رائعة ، كون الدور يحتاج الى الكثير من المران والتدريب . كذلك لفت انتباهي الاداء الممتاز للطفل محمد او ميمو .
كادر العمل
السيناريو والاخراج - لمحمد مفتكر
أنتـــــاج – شامة فيلم و افالونش انتاج
تمثيل : محمد البسطاوي / يونس ميكري ، منى فتو ، سليمة بن مومن ، محمد اللوز ، ماجدولين ، فهد بنشمسي .
ملاحظة : المادة المنشورة في جريدة الصباح العراقية حذف منها جزء مهم وهو شخصية الشاب " المثلي " ولا اعرف سبب الحذف ..تم نشره كاملا
شوهد المقال 2089 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك