كاظم مرشد السلوم - «الوهراني».. جرأة الطرح بمساس ما يعدّه البعض مقدساً
بواسطة 2015-02-27 22:38:53

كاظم مرشد السلوم
الفيلم الذي أثار ضجة كبيرة في الجزائر بعرض بعض من حياة رجال الثورة الجزائرية؛ لأن البعض يرى إن رجال هذه الثورة مقدسون بقدسية رجال الدين نفسها، لذلك لايجوز أن يظهرهم الفيلم، يغنون ويرقصون ويشربون، أو يتلفظون بألفاظ نابية.
لكن هذه هي الحقيقة، ففي النهاية هم بشر اعتياديون، لا يختلفون عن الآخرين بشيء، وتخضع تصرفاتهم للصح والخطأ.
الحكاية
حميد وجعفر، اثنان من ثوار جبهة التحرير الجزائرية، جفعر “قام بدوره الياس سالم، مخرج الفيلم” ينضم إلى الثوار مصادفة، بعد أن يصعد مع حميد في سيارته ليتبين له إن حميد وأصدقاءه هم ثوار، وحين يتعرض الجنود الفرنسيون لهم، يقوم جعفر بقتل أحدهم، الأمر الذي يجعله مطارداً ليصبح فيما بعد أهم ثوار الجزائر في مدينته وهران.
بعد انتهاء الثورة يعود جعفر إلى مدينته ليستقبل استقبال الأبطال، فيما صديقه حميد يتولى أعلى المناصب الحكومية وله سلطة على الجميع، و ينتقد أحد أصدقائهما الكثير من تصرفات الاثنين بعد الثورة، جعفر يكتشف إن لديه طفلاً ولد بعد سجنه، لكنه يجد فيما بعد انه ليس ابنه بل هو ابن فرنسي اعتدى على زوجته كعقاب له، إلا أنه لا يستطيع التخلي عنه.
الخلافات تنشأ بين ثوار الأمس، حكام اليوم، بسبب المصالح، ليبدأ تطبيق مقولة الثورة تقتل رجالها، فيقتل حميد صديقهم المعترض على تصرفاتهم وتقبله الرشاوى، ليصل المخرج بالفيلم إلى العام 1986 وهو عام التحولات الكبير في الجزائر.
انتقادات حادة
الفيلم قوبل بانتقادات حادة من قبل الثوار السابقين والسياسيين الذين ما زالوا موالين لهم، فعدوا إن ثوار الجزائر الذين حرروها من الاستعمار الفرنسي مقدسون لا يجوز المساس بهم، ولا يصح التجاوز عليهم سواء في فيلم سينمائي أو غيره، ومن المعيب حسب رأيهم إظهارهم وهم يحتسون الخمر ويتخاصمون ويتلفظون بكلمات بذيئة.
أحد رجال الدين أصدر فتوى بمنع عرض الفيلم، عاداً ذلك إساءة إلى تاريخ الجزائر، لكن وزيرة الثقافة نادية لعبيدي، اعترضت على ذلك مدافعة عن حرية الرأي التي يجب أن تحترم حتى لو طالت رموز الثورة الجزائرية. كما رفض مثقفون وكتاب الحملة التي يتعرض لها الفيلم “كونه عملاً فنياً إبداعياً يستحضر جانباً من ثورة لا تخضع لوصاية أحد”.
العديد من نقاد السينما الجزائريين عدوا الحملة التي تعرض لها الفيلم مبالغ فيها؛ لأن تاريخ الثورة الجزائرية لابد له أن يخضع لاختلاف الآراء كما هي العديد من الأحداث التي حصلت في الجزائر ومازالت تحصل لتشكل في محصلتها النهائية تاريخ البلاد، وهي بمنزلة دعوة لتحرير التاريخ سواء كان تاريخ الجزائر أو غيره من البلدان.
حكاية الفيلم يمكن أن تطبق على واقع العديد من الثورات التي حصلت في البلدان العربية، العراق، مصر، سوريا، وغيرها، فالمتابع لتاريخ البلدان العربية يجد إن الكثير من حالات الفساد والانحراف عن المبادئ قد حصل في مسار هذه الثورات وتحول ثوار الأمس إلى مؤسسين لدكتاتوريات للعسكر ولدت بعد تصفيات جسدية كبيرة بين أعضائها، لذلك سرعان ما يأخذك الفيلم إلى عقد مقارنة بين ما تشاهده في الفيلم وبين ما حصل فعلاً في بلداننا نحن، وربما لا يواجه الفيلم الاعتراضات نفسها التي واجهها في الجزائر بعد سقوط العديد من الأنظمة الدكتاتورية التي أسست لها ثورات، كانت حماسة الشعوب سبباً رئيساً في نجاحها، لتصبح فيما بعد كابوساً قبع على أنفاسها، وتمنت الخلاص منه بشتى الطرق، والنتيجة هي فوضى الثورات الشعبية اللاحقة التي أسست هذه المرة للفرقة الطائفية والمجتمعية، حيث بعض البلدان ربما تكون ذاهبة إلى التقسيم والحروب الأهلية.
درس مهم
الفيلم يؤكد عبر طرحه لموضوعة تاريخية ذات أهمية، المهمة الكبيرة التي تنهض بها السينما للكشف عن تبدلات الواقع والتي لا يريد البعض الحديث عنها، فالجزائريون يعدون ثوارهم مقدسين وهذا من حقهم كون هؤلاء الثوار حرروا البلاد من نير الاستعمار الفرنسي، والعراقيون يعدون عبد الكريم قاسم المنقذ والمخلص من ظلم النظام الملكي وكذلك الأمر في مصر حيث جمال عبد الناصر رمز للثائر العربي، لكن جميع هؤلاء في النتيجة هم بشر لهم أخطاؤهم، وربما يكون طرحها وتناولها في السينما يقدم درساً مهماً للجيل الحالي الذي يليه في كيفية التعامل مع المتغيرات الحاصلة.
جرأة الطرح لم تكن هي ميزة الفيلم الوحيدة، بل اشتغال المخرج الياس سليم على عناصر اللغة السينمائية واختياره الدقيق لشخصيات الفيلم وكذلك اختيار وهران مكاناً للتصوير لتوفرها على العديد من الأماكن التي أسهمت في انـجاح الفيلـم.
“الوهراني” هو الفيلم الثاني للمخرج الياس سالم، بعد فيلمه الأول “مسخرة” الذي حاز على جائزة “فالوا الذهبية” كأحسن فيلم في العام 2008، وحاز “الوهراني” على جائزة أحسن مخرج عربي في الدورة الثامنة لمهرجان أبو ظبي السينمائي، ونال كذلك إعجاب النقاد الذين حضروا العرض.
الصباح الجديد العراقية
شوهد المقال 1588 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك