خميس قلم ..... نظرة جانبيّة إلى " بازار " أما ترى السوق قد صُفّت فواكهه للتين قومٌ، وللجميز أقوامُ
بواسطة 2013-12-15 01:18:26

خميس قلم - سلطنة عمان
مسرحيّة " بازار " سوقٌ مكتظٌّ بموجودات شتّى منها ما هو بصري، ومنها ما هو سمعي ( إنّ السمع والبصر هما الحاسّتان الأساسيتان لاستقبال العمل الدرامي المسرحي ) عَرَض المخرج في ذلك السوق واقعاً صغيراً تختلط فيها الضحكة بالدمعة، الكراهية بالحب، الانغلاق بالانعتاق... محاكياً الواقع القائم على جَدْل المتناقضات، نعم عرض المخرج في سوقه بضائع تناسب مستويات مختلفة من المستهلكين/ المتابعين، فمن منطلق وعيه بثقافة وحاجات جمهور المسرح العماني من ناحية، و من رغبته في استثمار طاقته في صنع مشاهد تعبيريّة يتفاعل معها النخبة من ناحية أخرى، جاء العرض ( بندوليّا ) يتأرجح بين النمط الواقعي والتعبيرات الدلاليّة، استطاع بتنويعاته تلك: الكوميديّة والتراجيديّة، الواقعيّة والرمزيّة، والشخصيات المتنوّعة ( التي تشاركت البطولة ) أن يخطب ودّ القاعة، لقد كسب جمهور الحضور باقتدار، وربح تصفيقهم بجدارة ( وهذه غاية الفرجة ).
يبدأ العرض بلوحة غنائية فلكلوريّة حزينة، تكشف في باطنها مصير الحبيبين الذين يتحركان كعروسين يزفان بأهزوجة جنائزية، ويبرع المخرج في حسن التخلص، حيث تتداخل الأهزوجة مع لغط منظم يفضي إلى الحوار، حوار يتحول إلى جَدَلٍ، سيتضح لاحقاً أنّ خلاف الأقارب المنشقين إلى قسمين مبعثه من الذي سيرتضونه حكماً لمعرفة من حفر البئر؟
قوام حكاية العرض في التناوش اللفظي بين الأقرباء الفرقاء في أمر البئر و في أمر آخر هو الصراع بين " عذب " و" بايت " للحصول على " شامة "، فالحكاية إذن مجدولة من خلاف العائلتين، وصراع العاشقين، حكاية بئر و حكاية حب، لكنّ كلا الحكايتين مبتور..
الملامح العمانيّة بارزة في الشخصيات ملبوساتها، إكسسواراتها، لهجتها لكنّ البيئة العمانيّة غائبة فلا أثر في الديكور/ أثاث المسرح لأيّ ملمح يشير إلى المكان العماني، كما يتخذ العرض من الموروث الشعبي والأهازيج الفلكلوريّة و إيقاعات الطبول مرجعيّة للعرض عن طريق توظيفها كمؤثرات صوتيّة، أو من خلال وفرة الأمثال العمانيّة الشعبيّة " الرهوة على المربوطة"، " سيما خت مقزح "، " بو تدبّغ في القرط أيبان في إيهابها " و غيرها من الأمثال ذات الخصوصيّة اللهجويّة التي ربما تسببت في انقطاع الفهم لمن هم غير ملمين بمعاني مفردات لهجة أهل الداخل..
حاول العرض أن يصوّر السلوك النمطي السائد للشخصيات المسرحيّة في مخيّلة المجتمع من خلال هيئة الشخصيات، العجوز، التابع، الأبله، السكير، ومن خلال الخطاب الذي التزمه الحوار، خطاب يكرّس العنف " ما باغي، موووت " بل ويتجلّى فعل العنف في ممارسات حركيّة: الخنق، الركل، الدوس، الدفع، التهديد بالبندقية، القتل...
كان العرض لوحة متوترة شذّ فيها ( شذوذ إيجابي ) لوحة رومانسيّة، مغازلة عذب لشامة بفن شعبي أيضاً " يا بن عبادي علوه"
اتسم أداء الممثلين بنشاط و نزق أعربا عن حماستهم، وسعيهم لبذل كلّ طاقتهم في تقمص شخصيات افتراضيّة تقمصاً لائقاً، وقد أخلصوا بالفعل في ذلك حتى أنهم بالغوا في انفعالهم بتلك الشخصيات ( نشاهد مثلاُ " عذب " يترنّح من شدّة ألمه على حبيبته، و " سمعول " يسحب الضوء بحركاته في المستوى الأعلى عن الحوار الدائر في المستوى الأدنى )
لعبت الأزياء دوراً حيوياً في التفاعل مع الشخصيّة، من الواضح أنّ قوّة المسرحيّة تمظهرت في الدّقة في الإعداد الشكلي للشخصيات ( الملابس و الماكياج ) كما في استحضار النكتة البسيطة المنسجمة مع روح العرض.. لقد ضحك الحاضرون كثيراً و صفقوا أكثر..
و هروباً من المنطق الواقعي لسير الأحداث لجأ المخرج إلى تكنيك سينمائي بإدخال لقطة فائتة، أثناء بكاء " شامة " على أمّها، ليس مشهداً استرجاعيّا إنما لقطة فائتة تفسيريّة مبعثها الحدث وليس الشخصيّة، يعرضها بألوان داكنة لتمييز الزمن و لتعكس الحالة النفسيّة الكئيبة للمشهد..
المشهد التعبيري الأخير " شامة و الذئاب " كان ذروة العمل عبّر بواسطته المخرج عن قضية استغلال المرأة، اتخذوها طعماً ليعرفوا من السكّير/بايت من الذي حفر البئر، كانت غاية الأب " حافظ " أن يمنع زواج ابنه " عذب " من " شامة " ( لسبب مبهم لي )، فاحتال لذلك بالوقوف مع بايت السكّير، و بقيت " شامة " علامة على المرأة التي ينهشها الحب من جهة، و تفترسها سمعة أهلها من جهة أخرى، " فضيحة الرجل في جيبه، وفضيحة المرأة في جبينها " فلا هي قادرة على الهروب مع حبيبها، و لا هي قابلة برجل غير حبيبها، يغدو كلّ الرجال في اللوحة الأخيرة ذئاباً حولها، كلّ يطمع في شيء منها، الجسد، الطاعة، التخلّص.. بايت يريد الجسد، أهلها يريدون طاعتها لهم، و حافظ يريد أن يتخلص منها حتى لا تتزوج ابنه، تلك الذئاب كلّها تراقصت حولها وحبل الأمل أو الألم كان يتدلّى لها وسط ضباب من المشاعر الغامضة.
" بازار " مسرحية تستحق المشاهدة لمرات أخرى، قد تحتاج لتهذيب بعض حواشيها، لكن طالما دوّن المخرج ملاحظات المختصين بانتباه شديد، واستقبل نقدهم بروح عالية، وابتسامة واعية، فالمستقبل أمامه.
شوهد المقال 2479 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك