الزواج المثلي في عالم السياسة الجزائري ......إسماعيل القاسمي الحسني

العلاقة بين شخصين من جنس واحد ليست وليدة عصر التكنولوجيا هذا، و لا هي بطبيعة الحال من أوهام الكاتب و نسج خياله، كتب تاريخ الإنسانية حافلة بالقصص و الروايات، حتى بعض الكتب السماوية أقحمت فيها هذه العلاقة الشاذة؛ لكن القرآن الكريم حين تعرض لهذا السلوك، الذي أتى على ذكره في قصة سيدنا لوط و قومه، فصل بالحكم على تجريمه و تحريمه، ثم و هو الأهم تقرير نتائجه الحتمية، الملخصة في نهاية قصة القرية و أهلها أجمعين، و هي نهاية مأساوية لا ريب، لم يخسر القوم أموالا و أمنا أو نسلا و عافية فحسب، و إنما خسروا كل شيء، و اللافت في التعبير القرآني قوله تعالى: "فجعلنا عاليها سافلها و أمطرنا عليهم حجارة من سجيل".(74 الحجر). ما شد انتباهي هو "عاليها سافلها"، فهناك أقوام أخر انتقم الله منهم، و جاء ذكرهم بالتفصيل، لكن هذه صورة استثنائية عجيبة، أردفها بالقول:"إن في ذلك لآيات للمتوسمين". حين عدت للسان العرب و غيره، وجدت كلمة المتوسم تعني بمفهومنا المعاصر المستشرف، و هو ما يعني بالمفهوم العلمي صاحب العقل الذي يبني على المقدمات نتائج مطابقة بطبيعتها للسنن الاجتماعية أو الطبيعة، عادة ما لا تشذ، و نادرا ما تجانب الصواب، إلا عند سوء تقدير الواقع -المقدمات-.
لست مفسرا حتى أتعمق في دلالات الآية القرآنية، و إنما كمسلم استوقفني سؤال: هل عقاب الله "عاليها سافلها" ينسحب فقط على من يمارس علاقة الشذوذ تلكم؟ أم يحمل المراد في ثناياه، أن العذاب يطال كل قوم لا يمارسون الشذوذ الجنسي بالضرورة، و إنما كل أنواع العلاقات الشاذة، اجتماعية كانت أم سياسية؟ لعل الإجابة عن هذا التساؤل تتعذر على الكاتب لعدم تخصصه، و لن أتنطع كغيري للجزم بالنفي أو الإثبات، بيد انه لم يسعني التفريق بين الحال في الجزائر مثلا لا حصرا، من بين الأقطار العربية عموما، و بين معاني الآية القرآنية الكريمة.
لا ينازع أحد من المتابعين للشأن الجزائري، أن المعارضة السياسية في الجزائر، تكاد تكون وهما لا يعتد به في الساحة كواقع ملموس، و لا ريب أن كل الأحزاب و الوجوه الشبه سياسة، التي تطفو كالزبد على سطح الجزائر، إنما هي من جنس السلطة الفعلية ذاتها، بل كثير من المتابعين يعتبروها من صنيعها؛ إذن نحن أمام مشهد لا يختلف ضمنا، عن ممارسة علاقة شاذة بين طرفين من جنس واحد، كان ذلك بداية من الانقلاب عام 1962 إلى يوم الناس هذا، تجلت صورها الفاضحة في انتخابات مزورة مرات عدة، أفرزت في مجملها، تصدر فضلات المجتمع، من بارونات المخدرات إلى تجار الجنس، مواقع التشريع للشعب، و غيرها من مجالس البلديات و الولايات (المحافظات)؛ فضلا عن الثلث الرئاسي مما يسمى مجازا -أو استغفالا- مجلس الأمة، من الأقارب و المقربين للرئيس، و بعض الفطريات و الطفيليات، التي عادة ما تنبت تحت ظلال السلطة، و تنمو كسالى تمتص دم الأمة، حالها من حال دود العلق.
قد يقول القارئ: و أين محل "عاليها سافلها" هنا؟ العارف لا يحتاج لتذكير بقيمة الجزائر العالية، بدءا بالموقع الجغرافي الاستراتيجي، فهي البوابة الأوسع على إفريقيا لأوروبا، و قلب المغرب العربي الكبير، و مخزون من الطاقة عالمي، و المساحة الأكبر في العالم العربي للإنتاج الفلاحي، و كذلكم لإنتاج اللحوم و الحليب و المواد الغذائية الإستراتيجية، فضلا عن ذلك تتميز بشريط ساحلي خلاب المناظر الطبيعية، يكفي استثماره لوحده، لأن يكون عمودا فقريا لاقتصاد دولة يغني عدد سكانها؛ و من يذهب لحصر إمكانات الجزائر و ثرواتها، ينتهي به الأمر حتما، لنتيجة مفادها أنها تتجاوز بسنوات فلكية الكيان الإسرائيلي اقتصادا و نموا، الذي لا يقاس بحال في العلوم السياسية مع الجزائر؛ و بعبارة أكثر وضوحا يفترض أن عالي الجزائر الطبيعي، أن تكون في مصاف الدول المتقدمة دون أدنى مبالغة، فتلكم الثروات ليست أوهاما أو أرقاما مبتدعة.
لكن أين هي الجزائر الآن؟ حين تدرج الجزائر في مرتبة 105 من الدول الأكثر فسادا في العالم عام 2012، بينما يصنف المغرب و تونس في مرتبة 88 و 75 على التوالي، المرتبة المفزعة ليست هي فحسب مربط الفرس، إنما استقرار الجزائر عليها منذ عام 2002 إلى اليوم، يؤشر بالضرورة لاستشراء الفساد و استقراره كسلوك بات لازمة ضرورية لبقاء السلطة، و وجود ما يسمى بالدولة. و حيت تستقر الجزائر في المرتبة 133 في تقرير منظمة"محققون بلا حدود لحرية الصحافة"، و المرتبة 112 من بين 121 دولة في مجال تسهيل التجارة الخارجية، و 84 من بين 135 دولة في التنمية البشرية؛ أرقام المنظمات الدولية أو غير الحكومية كثيرة، لكن أهمها وأخطرها، ما أشار إليه تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2011 للمرتبة المتدنية للجزائر 112 من بين 139 دولة، و سافل المراتب إن شئتم 130 في مجال البحث العلمي و الابتكار، يعني المرتبة السفلى و الأخيرة بعد السودان و اليمن و النيجر.أعتقد أن هذه المراتب تدل بوضوح على عالي الجزائر الذي أمسى سافلها.
المحصلة أيها السادة، عبر عنها طفل جزائري لم يتجاوز العشر سنوات، حين طردت عائلته من سكنها، ليجدوا أنفسهم كما قال بعد خمسين عاما من الاستقلال، يفترشون الأرض و يلتحفون السماء في قلب العاصمة، الصادم في تساؤله هو الآتي:" ألم تخرج فرنسا من بلادنا؟ كيف إذن جاء جيشها و شرطتها و دركها ليطردونا من بيتنا ؟. لم يلتبس على الطفل المشهد، و لكن بذكائه شبه مشهد الهجوم على عائلته، بذات المشاهد التي رآها في أفلام الثورة، ثم عدد حقوق المواطن التي تعلمها في مدرسته الابتدائية، حق السكن، حق العلاج حق التمدرس.
أخيرا، كل الثروات التي تتمتع بها الجزائر، و موقعها المتميز، يؤكدان على أن مكانتها في صدارة الدول، أمر بديهي و طبيعي بل حتمي منطقيا، ذلكم عاليها؛ أما حالها اليوم كما تترجمه الأرقام سالفة الذكر، هو سافلها و ليس هناك أسفل منه، لا يمكن لعاقل أن يجد تفسيرا موضوعيا لهذا الوضع المزري، و الذي يدعو فعلا للشفقة، إلا ذلكم التفسير القرآني، لعلاقة سلطة لقيطة ساقطة، تمارس علاقة غير شرعية و شاذة مع بنتها لا غير، وإن تلحفت باسم معارضة.....و لن تكون بحول الله الجزائر سدوم شواذ العلاقات السياسية.
- فلاح جزائري
ismailelkacimi@gmail.com
شوهد المقال 4463 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك