نوري دريس ـ السلطة الجزائرية واستمرار سياسة الإنكار
بواسطة 2021-03-06 00:47:32

د. نوري دريس
للاسبوع الثالث علي التوالي, خرج الالاف من الجزائريين الى شوارع المدن للتعبير عن رفضهم لنمط تسيير الدولة الحالي, والمطالبة بببناء دولة القانون. انها رسالة واضحة بأن الحراك و التظاهر مستمران مادامت مطالبه الشرعية لا تزال عالقة, ومادامت مسبباته لا تزال قائمة, وان الانكار والاحتقار والكذب لا يمكن ان يحلوا محل الأدوات السياسية والقانونية المتعارف عليها في التعامل مع ثورة شعبية بهذا الحجم, ومطالب بهذا النوع, و أزمة شرعية سياسية بهذا العمق.
ورغم ان تعامل اجهزة الامن مع المسيرات كان مختلفا اليوم, الا ان نشرة الثامنة في التلفزيون العمومي لم تشر اطلاقا الى هذه المسيرات التي كانت الأضخم منذ عودة المسيرات يوم 22 فيفري الماضي...
يعكس هذا الموقف, عزم السلطة علي الاستمرار في سياسة الانكار, والمضي قدما في تنفيذ ما تبقى من خارطة طريق كانت الي غاية اليوم سببا مباشرا في عودة الجزائريين الي الشارع,
لم تترك السلطة للجزائريين الا الشارع للتعبير عن آرائهم السياسية ورفع مطالبهم .
ونحن داخلون علي ازمة اقتصادية خانقة, بدأت تظهر آثارها بقوة علي القدرة الشرائية, لا تدرك السلطة بأن كل جمعة تمر الا وتلتحق فئات جديدة بالشارع...شارع يحوي مجتمعا غير مؤطر سياسيا بسبب ممارسات السلطة منذ عقود, بحيث كلما زادت الأزمة, وكلما زاد الانكار والاستهتار من قبل السلطة, كلما ازدادت المطالب راديكالية, وكلما كانت فرص ازدياد شعبية الراديكاليين أقوى...
شاهدنا الاسبوعين الأخيرين شعارات عنيفة بعض الشي, و بدل ان تسارع السلطة الي نزع فتيلها, بتغيير سياستها في التعامل مع مطالب الجزائريين, والكف عن العبث اللامسؤول والكذب.., حاولت استغلالها سياسيا لضرب مصداقية الحراك وسلميته, وكأن ابكذب في التلفزيون حول الحراك يمكن ان يحل ازمة شرعية سياسية ممتدة الي عقود...
واضح اليوم ان السلطة غير قادرة علي منع الجزائريين من التظاهر, ولا هي قادرة علي الاستجابة لمطالبهم.
وواضح ايضا ان الجزائريين لا يملكون من وسيلة اخرى للتعبير السياسي الا الشارع.
صحيح ان التظاهر حق دستوري, ووسيلة من وسائل التعبير السياسي في الديمقراطيات الحديثة, ولكن يحب ايضا ان ننتبه الي ان اللجوء الي التظاهر بهذا الشكل المستمر, مؤشر عن وضع غير صحي بالنسبة لمؤسسات الدولة, و ادوات العمل السياسي وتأطير المجتمع...انه يعكس خللا بنيويا في الدولة و المجتمع ايضا, حتي وان اعتبرناه من زاوية اخرى انه يعكس وجود نبض حياة في المجتمع...
لا يمكن لوم الجزائريين لانهم يتظاهرون, و لا يجب ان ننتظر حلولا من الشارع. التظاهر هو وسيلة وغاية وهدف في حد ذاته ما دامت ادوات الفعل السياسي معطلة من طرف السلطة, و بقدر ما يعبر المجتمع عن حيويته من خلال التظاهر, فإنه ايضا يعبر عن رفضه لما هو قائم...
اذا كانت السلطة غير واعية بهذا الأمر, فإن تخلفها عن المجتمع يمكن تداركه و لا خوف علي الحراك من تصاعد مد الراديكاليين.
اما اذا كانت تريد التخلص من الحراك من خلال الدفع بالراديكاليين فيه الي الواجهة لايجاد ذريعة و مبرر لانكارها وفشلها, فإنه هنا وحدها تتحمل المسؤلية التاريخية والقانونية عن المصير الذي ينتظر الجزائر والجزائريين.
شوهد المقال 368 مرة
التعليقات (1 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك