سعيد لوصيف ـ لديّ حلم... (عن نصّ مارتن لوثر كينغ بتصرّف) I HAVE A DREAM ، في الذكرى 28 من اغتيال سي الطيّب الوطني أعيد نشر حلمه وحلم الجزائريين والجزائريات

د. سعيد لوصيف
قبل ثمانية وخمسين عاما، أعلن الجزائريون والجزائريات بالبندقية والشهادة بيان التحرير من ويلات الكولونيالية والاستعمار. كان ذلك اليوم التاريخي بمثابة شُعلةٍ اهتدت بها آمالُ الملايينِ من الجزائريات والجزائريين، الذين عانوا الظلم واحترقوا بلهبه المزري؛ فجاء يوم الاستقلال كفجرٍ ضاحكٍ ليُنهيَ ليل الاستعمار الطويل، ويرسم تطلّعات شعب في الحرية والعيش الكريم... لكن، وبعد ثمانية وخمسين عاما من ذلك التاريخ، يتعيّن علينا اليوم وبكلّ جرأة،أن نواجه حقيقة مأساوية أخرى وهي أن الجزائرية والجزائري لا يزالان مُعاقين بقيودِ حكم غير ديمقراطي، و ثقل "مشاريع" هيمنات مستترة غير معلنة، وأغلالِ الاستصغار والحـﭭـــرة والتمييز واللامساواة ؛
بقي من الجزائريات والجزائريين من يرفضُ أن يصدّق بأن الرصيد غير كاف للوفاء بتعهدات التاريخ، والالتزام بها حتى تتفتّح الزهور على مشروع مواطنة تنصهر فيه بإرادة العقل والحق في التعدد والاختلاف بعيدا عن سياجات الدغمائيات ...
بقي من الجزائريات والجزائريين من يرفض أن يصدّق بأنّ هذه البلاد أصبحت عاقرا،ولم تعد قادرة على إنجاب نساء ورجال لم يفلسوا أبدا في قيمهم الإنسانية السامية، وتوقهم اللامتناهي نحو الحرية والعدل والمساواة.
لذا، كان موعد 22 فيفري 2019 يهدف للتأكيد بأنّ الجزائريات والجزائريين يريدون أن يصرفوا هذا (الشيك) لكي يمنحهم ثروةَ الحريّة، وأمن العدالة، ورفاهية المساواة والمواطنة؛ويجنّبهم تسلّط "الـبـﭱــارة"، وهيمنة تجّار الدين والايديولوجيا، وحكم الرّداءة، واستفحال العشائرية وثقافة البداوة...
إن زمن ما بعد 22 فيفري 2019 ليس زمن الانخراط في السكون المثبّط لعزائم النهوض، أو زمن تعاطي مسكنّات الأوهام الزائفة التي لا مفعول لها...
إنّه زمن البقاء على حكمة "يا علي موت واقف". إنّه زمن الجدّ الذي يستدعي منّا الوعي التام بالمخاطر المحدقة بنا... هذا الزمن هو الذي يحتم علينا أن نُبرم فيه وعوداً حقيقية للعيش مع بعض في الاختلاف - كلّ الاختلاف غير منقوص - وبناء نظام سياسي ديمقراطي و دولة حديثة قوامها العدل والمساواة والمواطنة...
الآن هو الزمن الذي فيه ننهضُ من الانهزامية ونهجر أودية الاقصاءات السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية ...، لنصلَ إلى الطريق المضيء للحرية والعدالة و العيش في مجتمع مفتوح حديث.
الآن هو الزمن الذي يستدعي أن تفتح فيه أبواب الفرص لكل زهور هذا البلد؛ فلندعها تتفتح، ولنطلق سراحها نحو آفاق غد مشرق هو ممكن وغير بعيد.
إن الأمر قد يُصبح مُهلكاً إن تغافلنا واستخففنا بالمخاطر المحدقة بنا، وإن لم نحسن قراءة سهام التاريخ والمستقبل، وإذا لم ننصت أيضا لإلحاح الثورة السلمية وأهدافها السامية في التحرّر والانعتاق من ويلات كلّ الهيمنات القاتلة لفكرة الإنسان الحرّ، و كذا الانصات لشروط التحوّل الحداثي وزمن الكفاءة والاستحقاق.
أحبّائي، أقول لكم اليوم أنه وبالرّغم من الصعوبات والإحباطات التي نمرّ بها، إلا أنني ما زلتُ أحتفظُ بحلمي. إنه حلمٌ متأصلٌ في عمق تاريخ هذه الأرض، ويضرب بجذوره في حلم مصيليا ونوميديا وبني مزغنّة... فاليوم لديّ حلم...
لدي حلمٌ بأنه في يومٍ قريب من أيام فصول السنة سوف تنهض بلادي وتُحيي المعنى الحقيقي لالتزامها التاريخي فتقول: " إننا نلتزم بكلّ حقائق الحرية والعدالة لتكون بيّنةً بيننا وعقدا سياسيا واجتماعيا واعيا ينظمنا بعيدا عن كل تسلّط أو هيمنة ". ... فاليوم بالفعل لديّ حلم ...
لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ قريب من أيام فصول السنة وعلى تربة مصيليا ونوميديا وبني مزغنّة، سوف يتمكن أغلب الجزائريات والجزائريين من الجلوس مع بعضهم البعض، ويعقدوا قران الشعب، من دون تردّد أو رجعة، مع الحرية والعدالة والمساواة والمواطنة... فاليوم بالفعل لديّ حلم ...
لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ قريب من أيام فصول السنة، سوف يتحولُ كلّ شبر من أرض مصيليا ونوميديا و سيرتا و ميزاب والأهقار إلى مشتلة للحرية والعدالة والمساواة والمواطنة... فاليوم بالفعل لديّ حلم...
لديّ حلمٌ بأن أبنائي مهدي ولينا و كلّ أبناء الجزائريات والجزائريين سوف يعيشون في يومٍ قريب من أيام فصول السنة في دولةٍ تنبذ الحـﭭـــرة والتهميش، و ترفض تغوّل العشائرية والزبائنية والانصياع السياسي ؛ و يعيشون بالفعل في دولة هي دولتهم، يشعرون حقّا بأنّها حقيقة سياسية: أي دولة المواطنة التي تصون حقوقهم الشرعية والطبيعية...فاليوم بالفعل لديّ حلم. ..
لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ قريب من أيام فصول السنة،سترقى ممارسة السلطة إلى درجةٍ من العقلانية والأخلاقيات والالتزام بعيدا عن "البزنسة" و "الدعارة السياسية"، يؤسس بها الجزائريات والجزائريين لمشروع المجتمع المفتوح الذي يحكمه الحق في الاختلاف، و مشروع الدولة الحديثة التي يحكمها القانون والحق في الاعتراف... فاليوم بالفعل لديّ حلم ...
لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ قريب من أيام فصول السنة سوف يُرفع كلُّ وادٍ، وتُخفضُ كلُّ الجبال والتلال، وتُسوّى الأراضي غير المستوية، وتُقوّمُ الطرق المعوجّة، وتضيء نجوم الربّ سماء هذا البلد... فاليوم بالفعل لديّ حلم ...

شوهد المقال 358 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك