العربي فرحاتي ـ الحراك ..والاحتجاجات الحقوقية ..
بواسطة 2020-06-16 04:36:14

د. العربي فرحاتي
الاحتجاجات المهنية والجهوية الغاضبة كانت متوقعة جدا أن تنطلق عقب رفع الحجر بسبب الضرر الذي أصاب المواطن في لقمة عيشه وتراكم معاناته .نتيجة السياسات العرجاء والظالمة والمنتهكة للحقوق التنموية..ومن حق المواطن والجماعات والمناطق ..بل ومن واجبهم أن يدافعوا عن حقوقهم في العيش الكريم والتنمية الذاتية..ومن حقهم أن يحتجوا في إطار العقد الاجتماعي ضد الظلم والحيف واللا تكافؤ في الفرص..وأن غض الطرف عن إنتهاك أي حق يعد تفريطا في أداء الواجب..فالحق في العيش والحق في تكافؤ الفرص والحق في المواطنة والحق في التنمية والحق في التعليم والحق في الصحة والحق في العمل والحق في الحرية.. الخ كلها حقوق للانسان كوجود ووظيفة ..وهي مكفولة انسانيا قبل دستوريا ..والحقوق ليست طبقات ولا مستويات وإن تنوعت ولا تخضع لمنطق الاولوية..فلكل حق له قيمته في معناه الانساني..ولا يوجد حق رفيع وأخر وضيع وآخر حق رخيس..
فحق الحياة له قيمته وحق تحسين ظروف العيش له قيمته.وحق الحرية له معناه وقيمته..والحقوق لا فصل بينها فكلها متصلة ببعضها البعض .
.بل تشتق من بعضها البعض.. فالظروف المعيشية السيئة لها أثرها السلبي على حق الحرية وربما كانت الظروف السيئة نتيجة نقص الحرية والعكس صحيح .فالعقد الاجتماعي يحتم على الدولة الحديثة في كل العالم ضمان كل الحقوق نظير الواجبات.. فللفرد حقوق وللجماعة حقوق وللمناطق حق التنمية .. وللثقافات حقوق ..وللغات حقوق.. ومن ثمة فالاحتجاجات الشعبية مهما كانت طبيعتها ..مهنية اجتماعية أو سياسية او ثقافية..في الشمال أو الجنوب أو في الغرب أو في الشرق هي حق وواجب في نفس الوقت .. وما تشهدها بعض المناطق في الوطن من احتجاجات لشعور سكانها بالظلم والحيف ونقص في الحقوق .. هي ظاهرة صحية ووعي بأداء الواجب..ضد التهميش والظلم.. كالاحتجاجات التي ظهرت في ورقلة وتبسة وغيرها في الجزائر العميقة
..هي احتجاجات مشروعة تفضح وترد على أكاذيب خطاب السلطة أنها تكفلت بمعظم مناطق الظل..؟؟ ومن الواجب علينا كحراكيين -كما أرى- الوقوف بجانبها ومساندتها ودعمها مادامت سلمية..وأن شيطنتها والاستهزاء بها من بعض الحراكيين ونعتها ب ثورة "الجياع"..والبطون إنقاصا من قيمتها..والقول بأنها"لا تهمني" وليست من الحراك ...الخ هو في رأيي نقص في الوعي بمعنى الحقوق في نطاقها الوطني ..بل ونقص حتى في معنى الحراك الشعبي من حيث هو حراك ضد الظلم والحيف والاستبداد الذي أصاب العدل بين الناس والمناطق والثقافات يهدد وحدتنا كشعب ودولة.. وإذا كان النظام الديكتاتوري يستثمر في هذه الاحتجاجات وفي ما سمي بثورة الجياع ويدفع إليها ويصغي لها ويرعاها بتجنيد مأجورين - كما قيل ولا أظن ذلك - فإن فعل فإنه يفعل ذلك لغاية غير نبيلة تتعلق بالتمييز بين الحقوق ..وهي استراتيجية التفريق بين المواطنين ..فيعتبر الحقوق المهنية والاحتجاج على تفشي الجوع مشروعة التفاوض بشأنها..ويعتبر الحقوق السياسية للشعب وحق الحرية والكرامة والمواطنة غير مشروعة فيزدريها.. وبالتالي التمييز بين حقوق الفئات والمناطق ..وهو منطق الاستبداد في تحويل الحقوق إلى منة وإلى ريع يوزع.. يشتري به الذمم.. وهو ما يجب أن يرفضه الحراك الشعبي السلمي بقوة من حيث أنه لا يفرق بين الحقوق.. وأنه حراك من أجل دولة الحق والقانون ..وهو ما يفرض عليه قيادة كل الاحتجاجات الحقوقية السلمية المشروعة واستيعابها وتوظيفها كطاقة كلية لتغيير النظام ..واعتقد أنها هي الاستراتيجية التي توحد الحركة المطلبية الاحتجاجية مهما تنوعت في طاقة كلية واحدة .. ويتعين على الحراك تبنيها بقوة وحفظ سلميتها ومنعها من أي انزلاق نحو العنف..وأن استهجانها يعد انزلاقا خطيرا وسقوط في نفس سياسة التفريق بين الحقوق . وتبديد الطاقات وخلق صراعات بين الفئات..بل ربما خلق أعداء للحراك الشعبي من بعض الشعب..وانقسام الشارع الثوري إلى مسيرات متضادة.. فإذا كانت هناك جهة ما تريد تشتيت جهود الشعب ...فإن على الحراك مواجهة التشتت باستراتيجية التجميع ..الحراك الحراك الشعبي هو من أجل إيجاد نظام حكم جديد يضمن كل الحقوق بمراقبة شعبية شفافة ويعيد الجزائر الى كل الجزائريين ..بحيث يجد فيها كل مواطن حريته وكل منطقة وثقافة ولغة حقها في التنمية فلا خيار له إلا تبني حقوق الشعب الاجتماعية والسياسية ويثمنها ويرشد كل الاحتجاجات السلمية إلى حيث الهدف الموحد (دولة الحقوق والحريات ) ..اللهم وحد شعبنا ..اللهم ارفع عنا الوباء .
شوهد المقال 368 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك