سعيد جعفر ـ عالم الوزير الافتراضي ترجمة لنص قرئ بالفرنسية على راديو كورونا
بواسطة 2020-06-02 02:59:39

سعيد جعفر
ألا تشعرون مثلي بأنه منذ أن قرر المنشار لنزيم باية الذهاب في عطلة مستحقة تكررت محاولات تقليد أسلوبه؟ آخر محاولة قام بها وزير الاتصال عمار بلحيمر حين أخبرنا بأن المواقع التي تزعم بأنها تعرضت للحجب لا تقول الحقيقة لأنها كلها متاحة من خلال الشبكات الافتراضية الخاصة VPN.
ولأن الوزير غير معروف بروح الدعابة فأنا أفترض انه كان جادا في حديثه. وهذا أمر مثير للدهشة. لست عبقريا في استعمال الانترنيت، لكن ما تعلمته من خلال الاطلاع أن استعمال الشبكات الافتراضية الخاصة على نطاق واسع مؤشر على وجود الرقابة وليس على انعدامها.
الشبكات الافتراضية الخاصة هي أداة للالتفاف على الرقابة، وسيكون من السخافة تقديم استعمالها من طرف الجزائريين كدليل على انعدام الرقابة. في روسيا أو الصين مثلا، أو حتى في الإمارات، يمنع استعمال الشبكات الافتراضية الخاصة، وهم بذلك منسجمون تماما مع منطقهم التسلطي، ولهذا لا يمكن أبدا أن نتخيل وزيرا صينيا أو روسيا يحاول نفي وجود رقابة في بلاده بالتأكيد على توفر الشبكات الافتراضية الخاصة.
على العكس من ذلك، فقد أرغمت الصين شركة آبل الأمريكية على سحب تطبيقات الشبكات الافتراضية الخاصة من متجرها الصيني للتطبيقات حتى لا تسمح بالإفلات من الرقابة التي تفرضها المملكة الوسطى القديمة على مستعملي شبكة الانترنيت، وقد أثار خضوع أبل للطلب الصيني فضيحة لكنه منطق المصالح التجارية كالعادة.
إذا ليس هناك أدنى شك في أن وظيفة الشبكات الافتراضية الخاصة هو تجاوز الرقابة، وهو بهذا دليل على وجود الرقابة لا على غيابها، وباعتبار أن ليس لدى الجزائر القوة التي تسمح لها بفرض أمر على أبل كما فعلت الصين، ولا الكفاءة التقنية لتعطيل هذه الشبكات، فقد قرر الوزير أن يجعل منها حجة لصالح الحكومة.
إنه منطق أعوج إلى درجة أن عقل حمدي بعلة تعطل بشكل كامل، وأمام ارتباكه، وهو حالي أيضا، اقترحت أن أجتهد وأجازف بوضع فرضية لتفسير الأمر.
أنا من البداية رافض لتلك الفكرة، التي أسرت لي بها صديقة، ومفادها أن الكومبيوتر بالنسبة للديناصورات الذين هم بسني وسن عمار بلحيمر، هو مجرد آلة كتابة متطورة بعض الشيء وليس وسيلة للاتصال بالعالم، وبالتالي فإنه لا فكرة لدينا عن الشبكات الافتراضية الخاصة وما يمكننا فعله بواسطتها. هذا غير صحيح، فالشيوخ مثلنا أنا وعمار بلحيمر قد تنقصنا روح الدعابة، ولكننا نفهم ولو شوية.. شيطوح.
فهل كان التصريح الوزاري عن الشبكات الافتراضية الخاصة لحظة مجانبة للصواب؟ أنا أميل إلى الاعتقاد بأنه كان لحظة حقيقة غير واعية تعبر عن شعور بالمرارة: ما دامت هذه الشبكات الافتراضية الخاصة قد أحبطت الرقابة التي كنا نأمل في فرضها، فلنجعل هذا الـ VPN الوغد دليلا على عدم وجود الرقابة.
إنها طريقة تفكير معقدة، وأعتقد أن سهام، طبيبتنا النفسية الوطنية الماهرة، ستجد أفضل مني الكلمات المناسبة للتعبير عن هذا الاستعمال العكسي الغريب للحجة.
في النظام الجزائري، وإلى عهد قريب، كان يكفي حجز الجرائد في المطبعة وبعض الاتصالات الهاتفية لتطويع القنوات التلفزيونية الخاصة والعمومية، لكن الموقع الإلكتروني شيء جديد بإمكانه الاستمرار بواسطة الشبكات الافتراضية الخاصة حتى بعد حجبه، ومع ذلك يبدو غريبا أن يقدم وزير على التشجيع صراحة وبشكل رسمي على استعمال هذه الشبكات. وأنتم أدرى بأن ليس من ضمن هذه الشبكات ما هو جزائري، إنها كلها صنيعة اليد الأجنبية، وهذه اليد الأجنبية بإمكانها رؤية ما يقرأ الجزائريون من وراء ظهر من يحكمهم، ولو أردنا أن نبسط الأمر فإن شبكة افتراضية خاصة تسمح لك بتصفح موقع مغرب إيمارجون مثلا عن طريق بلد آخر غير الجزائر، ألمانيا مثلا، وبالتأكيد فإن الأسهل هو ألا تحجب اتصالات الجزائر المواقع الجزائرية، وبذلك تنتفي الحاجة إلى استعمال الشبكات الافتراضية الخاصة واللجوء إلى اليد الخارجية، وهذا يوفر على الجزائر تبذير قدرات الشريط العابر. لكن لماذا نختار الطريق الأسهل عندما يكون بوسعنا اختيار الأصعب. أليس كذلك؟
في العمق هناك كلمة "إفتراضية" التي تلازم تسمية هذه الشبكات، وهو شيء يناسب تماما طريقة عمل النظام الجزائري: مواطنون افتراضيون، وليسوا حقيقيين، برلمان افتراضي، وليس حقيقيا، وحياة سياسية افتراضية بأجهزة سياسية افتراضية. وبزوغ جزائر حقيقية في الفضاء العام منذ 22 فيفري يعطل هذا الأداء الافتراضي. هذه الجزائر، بما لها وما عليها، وحتى بنقاشاتها المزيفة، لا تريد أن يلقى بها إلى عالم افتراضي، إنها هنا، وستكون هنا أيضا عندما يرفع الحجر الصحي، بالشبكات الافتراضية أو من دونها.
شوهد المقال 272 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك