العياشي عنصر ـ خبايا "تحقيق فرانس5"
بواسطة 2020-05-30 04:16:58

د. العياشي عنصر
بعد مرور لحظات الصدمة والغصب لابد من التفكير بتأني وبمنهجية حول هذا التحقيق وتحليله وتفكيكه ثم إعادة بنائه حتى يتسنى لنا فهم خباياه! بهذا الصدد هناك بعض الملاحظات المهمة التي ينبغي التوقف عندها بخصوص هذا العمل الدعائي.
اولا، ضرورة التوقف عند السؤال من قام بهذا العمل ومتى؟
عناصر الإجابة واضحة ؛ لقد قامت به فرقة من قناة تلفزيونية أجنبية (فرنسية بالتحديد) سنرى لاحقا ان هذه النقطة مهمة جدا ولها رمزية خاصة!
متى قامت الفرقة بإنجاز التحقيق (بكل ما يتضمن من عمليات تصوير وانتقال ومشاركة في المسيرات وتصويرها وتصوير الشباب الذين شاركوا في التحقيق داخل المسيرات ...الخ) .
ثانيا؛ أين جرى التحقيق؟ هنا ايضا الاجابة واضحة لقد تم تصوير هذا التحقيق في الوقت الذي بلغ فبه الحراك ذروته وعنفوانه ، وفِي ثلاث مدن كبرى هي الجزائر العاصمة، وهران ثم تيزي وزو. التحقيق كما هو واضح مركب من سلسلة طويلة من اللقطات صورت في فضاءات عامة وايضا في فضاءات خاصة؛ مثل شقق بعض المشاركين في المدن الثلاث المذكورة! كما جرى التصوير في الشوارع الكبرى اثناءالمسيرات وفِي أوقات مختلفة نهارا وليلا!
ثالثا؛ حسنا، لنطرح الان السؤال الأهم! وهو هل تحصلت هذه القناة وفريقها المتكون من عدد من الأفراد الاجانب على رخصة للعمل وتصوير هذا التحقيق بكل ما فيه من تفاصيل، وما يقتضيه من تنقلات داخل المدن المذكورة، وما بينها مع يفرقها من مسافات معتبرة؟ في الليل والنهار ، والتصوير في الفضاءات العامة، والخاصة، وخاصة تصوير تجمعات ومسيرات الحراك ؟ طبعا لا يمكن لعاقل ان يتصور ان فريق عمل القناة قام بكل هذا العمل وفِي هذا التوقيت بالذات دون ترخيص من السلطات العمومية ودون مرافقة لصيقة (وأشدد على هذه الكلمة) من الأجهزة الأمنية!!
رابعا؛ حسنا، طالما أن التحقيق جرى بعلم وترخيص ومرافقة أمنية لصيقة! الآن من أجل تبسيط وتوضيح الفكرة لنستعير اُسلوب عمل ومنهجية علم الجريمة، وهو احد العلوم الاجتماعية المهمة كما هو معروف! لقد حددنا عناصر أو أركان الجريمة وهي الفاعل او الجاني، والضحية، ومسرح الجريمة، بكل حيثياته وتعقيداته وخصوصيته من أماكن وأوقات!
خامسا؛ لنطرح الآن سؤال تقليدي، لكنه مهم جدا وحاسم في علم الجريمة، وهو سؤال عادة ما يطرح لتسهيل التعرف على الجاني! من المستفيد من هذه الجريمة ؟ او من له مصلحة في هذه الحادثة؟ وما هي مصلحته ؟
الإجابة هنا أيضا واضحة بسيطة، بل تقفز للعين، ولا مجال للشك فيها! هذا التحقيق جرى بمواقفة اعلى مستويات السلطات العموية وترخيصها رسميا، وتاطيرها من طرف الأجهزة الأمنية ! لأن مجرد التفكير في غير ذلك يعتبر من قبيل الخيال، بل يعد انتحارا صريحا لهذا التظام ويضرب مصداقية السلطات العمومية والاجهزة الأمنية في مقتل !!
سادسا؛ الخلاصة ؛ هي ان التحقيق ليس فقط في توقيته واسلوب القيام به، بل أيضا بالصيغة التي جرى فيها، باختصار في شكله ومضمونه عملية مبرمجة ومخطط لها ومقصودة هدفها ضرب الحراك في الصميم!! انها محاولة مفضوحة ليس فقط هدفها تشويه الحراك، بل اصابته في العمق بتقديم صورة مزيفة ومشوهة عن شباب الحراك ووصفهم بالشواذ اجتماعيا وجنسيا، همهم الوحيد هو الملذات غير المشروعة والمنافية للدين والاخلاق العامة ولثقافة المجتمع عموماً، سواء كانت المخدرات ام الجنس ام الكحول!!
سابعا، الهدف الاستراتيجي اذن، هو شق صفوف قوى الحراك وادخالها في دوامة الاتهامات المتبادلةبين مكوناته وعناصره، واظهاره بمظهر الحركة التي يقودها منحرفون وشواذ، متنكرون لقيم المجتمع ودينه وتقاليده!
ثامنا؛ لماذ جرى كل هذا؟ لان الحراك يمثل قوة تغيير حقيقية تهدد ليس مصالح العصب الحاكمة في الجزائر فحسب، وهو ما كشفت عنه ممارسات النظام المستمرة في قمع نشطاء الحراك، والزج بهم في السجون بتهم ملفقة سلفا، وخارج اطار القانون ودون محاكمة عادلة، بل كذلك محاولاته المستميتة لمصادرة الحراك بتخصيص يوم وطني له، وذكره في مسودة التعديل الدستوري!
تاسعا؛ كما يهدد الحراك مصالح القوى الاستعمار الجديد وفي مقدمتها فرنسا التي لها مصالح ضخمة في الجزائر، وفِي استمرار النظام! وقد عملت كل ما في وسعها لابقاء بوتفليقة في الحكم، وهي تعمل ذلك الان مع من خلفه وهم جزء لا يتجزأ من نظام بوتفليقة المتهالك !!
عاشرا؛ البقية من تصرفات النظام مثل استدعاء سفير الجزائري للاحتجاج على التحقيق ليس سوى مقطع من المسرحية المعدة بحبكة لتضليل الجمهور ليس الا!
لعل الأهم الآن هو تجنب الوقوع في الفخ، ورص الصفوف، وعدم اتهام الشباب المشاركين في التحقيق بالانحراف والخيانة ووو. بل مساعدتهم على رفع دعاوى قضائية ضد القناة واستخدامهم في تحقيق ينافي مقاصدهم، ويخدم غايات غير غاياتهم، ذلك لأن التحقيق زيف وشوه اراءهم ومواقفهم من خلال وضعها فيسياقات يجهلونها.
تعود هذه المهمة لرجال القانون والمحامين الذين يهمهم مصير الحراك وهم كثيرون! ومنهم واحد من المشاركين في التحقيق !
شوهد المقال 226 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك