فيصل الأحمر ـ الحراك و"المابعدية" (أو حديقة الحيوانات الأيديولوجية )
بواسطة 2020-02-25 00:07:58

د. فيصل الأحمر
فجأة ظهرت فصائل كثيرة ناتجة عن الحراك المبارك في الجزائر وكلها تتبنى السابقة المغرية "ما بعد":
*مابعد الثوري: وهو مثقف كهل ركب الحراك ثائرا على النظام ثورة كلية ثم جاءته طيور الظلام يعدونه بالامتيازات والمناصب فغير رأيه من الحراك وشكل نظرية حول الثورة والتغيير الاجتماعي مفادها ضرورة الإيمان بالمرحلية والتريث والاكتفاء بما حققه الحراك والعودة الى ثكنة الحياة اليومية ثم ترك الزمن يفعل فعله
*ما بعد ما بعد الحداثي: وهو ثائر بالنصوص والمقولات؛ غيابه عن الحراك اكثر من حضوره. الصور اهم من الخوض في الحوار والجدل . ثورته ثورة ابتسامة اكثر منها ثورة شعارات، متشكك في من يسيرون في الشارع ، لا يصدق ان ما حدث قد حدث وينتظر الخيبة المعهودة لديه ولو بعد حين ... اذا قال الناس: كرامة العيش قال هو حقوق الأقليات، وان قال الناس كلنا اقليات في ظل الجوع والقهر والاستبداد قال : حقوق المثلييين. وان صرخ الناس بتحرير الفضاء العمومي من القبضة الأمنية قال هو المادة 2 من الدستور.
*ما بعد الخوانجي: ( للأمانة التاريخية فالمصطلح البديع من ابتكار زوجتي الأستاذة وسيلة بوسيس): وهذا ثلاثة أصناف أفرزها الحراك:
١- الخوانجي السيستامي(على وزن السيستاني) وهذا يأخذ من معاداة الحراك مذهبا على خلفية ان ثورة الابتسامة لا تشبه الثورة الإيرانية ( وهي "ايفريست " المقاربات الإسلامية للثورة ) وبالتالي فالحراك عنده مخترق من قبل أعداء الدين
٢- الخوانجي اليساري: وهذا أيقن ان ذهاب اليسار الذي كان يرى فيه أعداء الدين التقليديين المريحين لنزعاته العدوانية قد أفسد الدنيا والدين معًا.. واكتشف أخيرا أن من كان يسير ثورته بالأمس ويدعمها باسم عداء الكفار اليساريين هو العدو الحقيقي للإنسانية كلها لا للدين فحسب، وهذا تجده في الحراك ديمقراطيا مدنيا ثابتا على المطالب اليسارية اللائكية العلمانية (العلمانية واللائكية السياسيتان بعيدا عن مسائل العقيدية- بالنسبة لمن يفرق بينهما ، أما من يعتقد ان اللائكية هي الكفر فهذا المنشور لا يعنيه ، وليذهب ليقرأ قبل أن بغضب ويعلق ويضيع وقت الجميع وجهدهم وأعصابهم)...
٣- الخوانجي الغربوفيلي: وهذا خوانحي حوّل الثقافة الشرقية التقليدية التي تربى في كنفها الى خزان نصوص يستأنس به بحثًا عن علامات تراثية توافق هواه الذي اكتشفه وهو يكتشف العالم الغربي من خلال "فسخ التوبة"(كما تسمى ظاهرة الردة الفكرية والاستلاب الهوياتي تولّعا بالغالبين عندنا في الحديث العام) او من خلال التلفزيون او مواقع التواصل الاجتماعي... وهذا تجده يطوع الأرض والسماء انتصارا لرؤية غربية معاصرة منفتحة غير مسؤولة متخففة من كل واجب أو ثقل او التزام او مسؤولية ازاء اي شيء كان
الحراك عنده عاصمي او قبائلي مليء بنمط من النساء لا يجدهم الا هناك: القبايليات والعاصميات الًشبيهات بنساء التلفزيون الجميلات واللواتي اختفين في باقي مناطق الوطن بسبب "الصحوة" آلتي بدأت كحركة للوعي ونهضة فكرية وانتهت كحشوة اجتماعية دينية حضارية نتج عنها الميل صوب احدى الهجرتين : الهجرة الفعلية إلى إحدى الدارين : العاصمة او اوروبا... او الهجرة الفكرية صوب الالحاد وما شابهه او قاربه من الفلسفات الغربية المابعدية القابلة لاحتضان الشيء ونقيضه اذا لم نتعمق فيها كثيرا .
(...يتبع)
شوهد المقال 638 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك