جباب محمد نورالدين ـ عبد الحميد مهري : كان على وشك أن يتحول إلى متشرد في الجزائر المستقلة
بواسطة 2020-02-01 22:21:24

د. جباب محمد نورالدين
الأستاذ المجاهد عبد الحميد مهري، أحد رموز الحركة الوطنية وأحد أبطال ثورة التحرير والوزير في حكومة الثورة الجزائرية، بعد الاستقلال عرض عليه الرئيس أحمد بن بلة منصب سفير، ولما كان بن بلة يعرف استقامة ونزاهة و زهد الشاب عبد الحميد مهري، وقتها كان في منتصف الثلاثينيات ،كلف الأخضر الإبراهيمي بإقناعه والضغط عليه بقبول المنصب
لكن سي عبد الحميد، البعيد عن حب السلطة والمال و الامتيازات واللهث وراء المناصب والمتخرج من المدرسة العليا للأساتذة بدمشق، أخبر لخضر الإبراهيمي أنه يفضل العودة إلى مهنته الأصلية " الطباشير " كما قال له بالحرف
ذات صباح باكر حمل محفظته وأقل الحافلة وتوجه إلى ثانوية "عمارة رشيد " ببن عكنون وعاد إلى وظيفته الأصلية " التعليم والطباشير " وظل أستاذا بثانوية عمارة رشيد ،
بعدها بفترة تم تعيينه مديرا للمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة التي يوجد بداخلها شبه سكن ، عبارة عن" ستيديو" الذي كان مقر سكن سي عبد الحميد
بعد تنحيته من إدارة المدرسة العليا للأساتذة وكان يجب أن يغادر السكن ،حزم حقائبه، لكن سي عبد الحميد لم يكن يعرف إلى أين يتجه ، لأنه لم يكن يملك سكنا في الجزائر المستقلة التي أسهم في تحريرها
أحد معارفه تفاجأ أن الأستاذ المجاهد لا يملك سكنا، فسأله " كيفاش سي عبد الحميد معندكش السكن ؟ " فرد عليه سي عبد الحميد " أنا حشمت وهم ماحشموش"
ولما بلغ الخبر إلى المجاهد "لخضر بن طوبال " ورغم الخلافات السياسية القديمة، استاء كثيرا لما علم أن الأستاذ و المجاهد عبد الحميد مهري لا يملك سكنا ، فتبرع له بسكن كان يملكه الذي ظل فيه إلى آخر يوم في حياته .
في ذكري رحيل الحكيم عبد الحميد مهري :هكذا انفجرت الفحلة الجزائرية
كنت داخل الجامعة لما التقيت الصديق الأستاذ "مصطفى نويصر" الذي أخبرني أن سي عبد الحميد مهري "راه حاب يشوفك " قلت مع نفسي ،من أنا حتى يطلب لقائي الأستاذ المجاهد عبد الحميد مهري ،لا أنا مناضل في حزب ولا أنا شخصية سياسية ولا أنا معروف أصلا، فكيف اهتدى إلى اسمي وطلب لقائي ،كان اللقاء وكانت الصداقة وكان السفر خارج الوطن وكانت الكثير من الحكايات، وظلت الصداقة إلى آخر يوم ودعته في مقبرة سيدي يحي لأنه ترك وصية ألا يدفن في مقبرة العالية .
الراحل عبد الحميد مهري تعرض إلى حصار ومضايقات من طرف النظام بلغ حد قطع الهاتف ،وظل يتردد بنفسه على مصلحة البريد، وظل المسئولين في كل مرة يخترعون الحجج و الأكاذيب .
تكررت " زيارات " عبد الحميد مهري من أجل إصلاح العطل ، وتكررت اختراعات وحجج المسئولين ، إلى أن انفجرت شابة موظفة بالبريد التي عز عليها رؤية عبد الحميد مهري يتردد في كل مرة على مصالح البريد، وقفت الشابة وسط الموظفين وصرخت في وجوهم جميعا بصوت عال وخاطبت مهري" قائلة " سي عبد الحميد هاذوا راهم كامل يكذبو ، التليفون انتاعك جاتنا تعليمات باش نقطعوه " تم راحت تبكي .
عبد الحميد مهري : عندما حمل " البيجامة " وفرشاة الأسنان وهام على وجهه
لأنه قامة نضالية وقيمة تاريخية وأحد أبطال الشعب الجزائري، رفض جميع اشكال المساومة والخضوع والخنوع وظل كبيرا شامخا، فشكل لهم عقدة مستحكمة ومستديمة، ولأنهم من أراذل القوم نشروا كلابهم في كل مكان يتعقبون أثره ،عندما داهم مرض السرطان زوجته واستحال علاجها في الجزائر وصلهم الخبر، كانت الفرصة المواتية لمحاولة النيل منه و إذلاله وإهانته وخلقوا له العراقيل ، لكن الحكيم أمام الحاجة وضيق ذات اليد لم يعد أمامه إلا تأجير بيته.
غادر البيت وحمل البيجامة وفرشاة الأسنان وهام على وجه وهو في أرذل العمر" وكي طاح الليل وضاق الحال " توجه عند شقيقته التي وفرت له مكانا في بيتها المتواضع .
شوهد المقال 347 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك