نوري دريس ـ السلطة و الشعب المتخيل

د. نوري دريس
ما قاله بن صالح أمام بوتن، يعكس بدقة نظرة السلطة الى الجزائريين. و في الحقيقة هو نفسه الكلام الذي يلقى علينا بعبارات ومفردات مختلفة منذ الاستقلال الى اليوم
تعودت السلطة منذ الاستقلال على (( حكم: ممارسة السلطة على)) شعب وهمي متخيل، موالي، طيع متحد وراء الزعيم، تصنعه جرائد، اذاعات، تلفزيون وتقارير تكتب وتعد على مقاس ما يريد ان يسمعه الزعيم...
هذه اول مرة تواجه السلطة الشعب الحقيقي في الشارع، شعب يرفضها من ( لقنت للقنت) قد عجزت عن اخفاء ذلك بسبب افلات وساول الاعلام و الاتصال الحديثة من بين ايديها...
بن صالح لم يكذب حين قال بعض العناصر، لانه فعلا هذا ما يصل اليه من تقارير، وهذا ما ينقله التلفزيون الحكومي(( بل لا ينقله اصلا،)) و هل منكم من يعتقد ان بن صالح و غيره من المسؤولين يرى الجزائر و العالم عبر اداة اخرى غير التقارير التي تصل مكتبه و تبث عبر التلفزيون الحكومي؟؟؟
الزعيم لا يريد من احد ان يشك في فحولته ورجولته، وفي ولاء الجميع له وفي عشق وحب كل كل كل الجرائريين له، وان حدث العكس فإن المشكلة تكمن في حاشيته و اعوانه الذين فشلوا في المهمة التي اختيروا لاجلها: رسم صورة مثالية للزعيم و اختزال الجزائر في شخصه...
هؤلاء الأعوان بمختلف رتبهم ومناصبهم يدركون هذا جيدا، ولعذا يعدون تقاريرهم على مقاس ما يريده الزعيم وولي النعمة...لا يرى الا ما يريدون هم، و لا يسمع الا ما يسمحون بوصوله الى اذنيه...هم عينه و سمعه و انفه و لسانه...ليس حبا فيه و لا لنية مسبقة لتغليطه...بل لان قواعد المحافظة على المنصب وقواعد الترقية و الحركية تستلزم هذا: tout va bien... تحب نقولك راهي مليحة و كامل يبغوك...هااااه راعي تسخف و قااااع يبغوك سيدي..
ظل هذا النموذج فعالا في ادارة السلطة و المحافظة عليها طوال 60 سنة، بسبب هيمنة السلطة المطلق على وسائل الإعلام ووفرة اموال الريع التي توزع لرسم تلك الصورة للزعيم ومكافأة الاعوان و الزبائن... وان حدث و ان تراجعت المداخيل الريعية، فيمكنه ان يشتغل بالحد الأدنى: الدعاية و البروباغندا
و لكن، الثورة الرقمية التي انطلقت في الجزائر مع اطلاق الجيل الثالث و الرابع، فاجأت السلطة و جعلت هذا النموذج غير فعال في التحكم في كل شي، و الفرق بات واضحا بين ما تبثه وسائل العلام السلطة و بين الواقع (( وما يبثه الاعلام البديل)) ويعكس تأخرا و شيخوخة للسلطة وعدم قدرتها على حكم الشعب الحقيقي بدل المتخيل...
تأخر السلطة و شيخوختها، جعلها تنقل نفس التقارير التي تصل مكاتبها تحت الطلب، جعلها تنقلها الى رئيس قوة عظمى يمتلك من التقنية ما يسمح له ليس فقط باحصاء عدد المتظاهرين اسبوعيا، بل باحصاء حتى عدد الافراد الذين يخرجون في مظاهرات عفوية لمساندة السلطة .
السلطة لا تزال تتعامل مع الشعب المتخيل، وكل استراتيجياتها و خططها تم اعدداها لهذا الشعب المتخيل، ولنا كجزائريين ان نتصور الاخطار التي يمكن ان تنجر عن هكذا تفكير و تعامل...
شوهد المقال 739 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك