نجيب بلحيمر ـ بورقعة.. القائد يسلم مشعل نوفمبر
بواسطة 2019-10-24 01:50:08

نجيب بلحيمر
يوم عسير على القضاء.. شيخ ثمانيني قضى قرابة أربعة أشهر في السجن ولا يبدي أي عجلة لمغادرته, لقد اختار أن يحول هذه المحنة إلى معركة أخرى يضيفها إلى سجل حافل افتتحه قبل أزيد من ستين عاما عندما التحق بصفوف جيش التحرير الوطني ليتحول إلى أحد رموز الكفاح المسلح ضد الاستعمار, وليواصل معاركه كرجل حر بعد الاستقلال, خبر السجن مرات عديدة, وهو اليوم يحوله إلى ميدان المعركة التي قد تكون الأهم على الإطلاق.
رفض المجاهد سي لخضر بورقعة الإجابة على أسئلة قاضي التحقيق, وبهذا السلوك لم يكتف بعدم الاعتراف بالتهم الموجهة إليه بل ذهب إلى حد إحراج سلطة القضاء برمتها وهو يصر على إعطاء طابع سياسي لاعتقاله, وكان الصمت كافيا لإفساد كل الخطة المتعلقة بحملة الاعتقالات التي طالت العشرات.
عندما تم اعتقال سي لخضر بورقعة تم تفسير الأمر على انه رد صارم من جانب المؤسسة العسكرية على التصريحات التي ادلى بها حول جيش الحدود, ولعل تأسس وزارة الدفاع كطرف في القضية يؤكد هذا الأمر كما تؤكده تهمة المساس بمعنويات الجيش التي يتابع بها, غير أن تصريحات أخرى لبورقعة حول سعي السلطة لفرض مرشحها الذي اختارته جاءت لتعطي للاعتقال بعدا سياسيا.
مهما يكن الدافع الحقيقي وراء وضع مجاهد مرموق يقترب سنه من السابعة والثمانين, فإن معتقلين آخرين لحقوا به إلى الحراش وسجون أخرى, وراجت فرضيتان الأولى تقول بأن هؤلاء اعتقلوا من أجل تخويف المتظاهرين وثنيهم عن النزول إلى الشارع, والثانية تعتبر ان الهدف من الاعتقالات هو تحييد العناصر التي يعتقد انها فاعلة وبذلك يتم قطع رأس الثورة السلمية تعجيلا بالقضاء عليها, وفي الحالتين كان الأرجح أن يتحول المعتقلون إلى ورقة تساوم بها السلطة التي تستطيع أن تقدم إطلاق سراحهم كخطوة نحو التهدئة, وضمن إجراءات تعطي المصداقية للانتخابات خاصة وأن هذا الملف ما زال يطرح من طرف المعارضة ( أحزابا وشخصيات) كشرط لتوفير أجواء مناسبة للانتخابات.
إلى غاية الساعة التي دخل فيها بورقعة إلى مكتب قاضي التحقيق لدى محكمة بئر مراد رايس كانت ورقة المعتقلين لاتزال صالحة للاستعمال السياسي, لكنها احترقت مع تلك الجمل التي فجرها المعتقل الكبير في وجه القاضي, فرفض الإجابة على الأسئلة, وعدم الاعتراف بشرعية الحكومة, والمطالبة بإطلاق سراج جميع المعتقلين, ثم ربط كل هذا برفض خيانة الحراك جعل بورقعة يختار السجن كسلاح في وجه السلطة التي لن تحصل على شيء مقابل تحرير المعتقلين, وعلى عكس ذلك فإن الخسارة المترتبة عن خيار الاعتقالات باتت مؤكدة.
رفض بورقعة الإجابة على أسئلة القاضي هو في حقيقته تنفيذ لوعد سابق كان قد قطعه أمام محاميه برفض إطلاق سراحه ما لم يتم تحرير جميع المعتقلين, وكانت خطته أن يبادر بقطع الطريق على سجانه ويسحب منه ورقة تحريره عن طريق المحاكمة, وللخروج من هذا المأزق ستضطر المحكمة إلى إصدار قرار سياسي بما يثبت تهمة عدم استقلالية القضاء التي دفع بها بورقعة أمام قاضي التحقيق, وستكون هذه هزيمة قاسية للسلطة التي تخسر معركة ذات دلالات رمزية حاسمة.
هكذا صار للثورة السلمية قائدها الشرفي الذي يستمد شرعيته من تضحياته في هذه الثورة التي لم يحاول تصدر مشاهدها عبر وسائل الإعلام, أو أن يصعد على ظهرها متخذا ماضيه الثوري الناصع مطية لذلك, بل فضل أن يكون جنديا في صفوف جيل جديد يقود ثورة سلمية بأدوات جديدة من أجل بناء جزائر جديدة, وهذا هو التسليم الفعلي للمشعل بين جيلي الثورة والاستقلال, عملية تسليم تتم عشية ذكرى نوفمبر في زنازين السجون وقاعات المحاكم وليس في المكاتب الفخمة التي يملك مفاتيحها رموز نظام بات بلا شرعية, وسواء كان بورقعة يوم الجمعة السابعة والثلاثين في زنزانته أو في الشارع متظاهرا فإن شباب الثورة السلمية سيسيرون على هدى من نوفمبر.
شوهد المقال 1575 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك