سعيد لوصيف ـ الموقف : أقولها و امشي...

د.سعيد لوصيف
سأحاول في هدوء فكري وسياسي – ولو إنني منزعج كثيرا وغاضب أشد الغضب – على تصريح قائد الأركان اليوم والذي يقول فيه صراحة: "رفع رايات أخرى غير الراية الوطنية من قبل أقلية قليلة جدا قضية حساسة تتمثل في محاولة اختراق المسيرات...".
لن أبدع شيئا أو أضيف شيئا إن قلت أولا إن مثل هذا التصريح هو خرق للدستور ولروح الدستور وموقف إيديولوجي من ممثل لمؤسسة سيادية هي مطالبة أن تبقى حيادية وبعيدة عن السياسة، والأمر يعد خطيرا إذا انتقل إلى تبني خطاب مؤدلج، يشتم فيه رائحة الأبوية والكراهية.
إن الحقوق الثقافية و التعبير عنها هي حقوق ظل أنصار السلطة الشمولية، يهابونها ويرفضونها لأنها في حقيقة الأمر هي حجز زاوية الحقوق الإنسانية وحرية التعبير عنها، و لأنها أيضا تزعجهم وتعيد النظر في تنظيم السلطة ذاتها.
إنّ كان قائد الأركان يقصد "بالراية غير الوطنية" ، الراية الأمازيغية، فإن هذه الراية إنّما هي راية كل الجزائريين ، والتي تضرب في رمزيتها في عمق تاريخهم وهويتهم الأصيلة. و إنّني اعتقد أن تصريح قائد الأركان إنّما يعبّر أيضا عن نظرة دونية للجزائريين ونظرة أبوية يعتقد فيها أن الجزائري ليس فردا عقلانيا و لا مواطنا يحمل هوية وفضيلة يمكن أن يعبّر عنهما بصورة سلمية من غير عنف أو عنف رمزي؛ ذلك أنّ العقلانية و التعبير العقلاني السلمي لا يمكن لهما أن يتجذّرا إلاّ ضمن مجتمع مفتوح، وبيئة سياسية تؤسّس للاختلاف.
إن تصريح قائد الأركان، إنّما يعيدنا في الحقيقة إلى الإشكالية السياسية الرئيسة التي ظلت مطروحة منذ ما قبل الاستقلال، وهي إشكالية بناء الدولة الوطنية وشكلها، وتنظيم السلطة و أولوية المدني عن العسكري، والتوزيع العادل للثروة بين الجزائريين.
إنّ بناء الدولة والعيش معا هو مثل الزواج لا يتم و لا يصلح إلاّ بالتراضي وبتعاقد بين الفاعلين يرسّم في وثيقة اسمها الدستور، مثلما يرسّم الزواج في عقد زواج. كما إنّ بناء الدولة والعيش معا هو تصالح مع الذات والتاريخ والحق لكل الجزائريين في الاختلاف والتعبير عنه.
إنّ مسالة بناء الدولة الوطنية هي مسألة إرادة سياسية، و مسألة مدنية بامتياز لا علاقة لها بالسلطة والصراع عنها، أو بأن تنفرد بها مؤسسة الجيش لوحدها ؛ فالحقائق التاريخية التي عرفها الجزائريون، أو الحقائق التاريخية لعدد من المجتمعات المقهورة المتخلفة بيّنت فشل مشروع الدولة – السلطة ودحضته. وعليه، فإن الجزائريات والجزائريين، مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بالحرص على بناء تجاسر سياسي يؤمّن لهم حق العيش معا في الاختلاف، في مجتمع مفتوح عن كل الذوات، ويبعدهم عن مسالك الانسداد والمجتمع المغلق ومجانين العاطفة والفشل المستدام.
شوهد المقال 730 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك