ثامر رابح ناشف ـ سيكولوجية الشارع والمرحلة الثالثة لعصر الجماهير -حالة الجزائر 2019-

د.ثامر رابح ناشف
ان ما يحدث في الجزائر في هذه الآونة هي ظاهرة إجتماعية بدون منازع لم تأتي من عدم بل كنتيجة لعوامل قد تكون ظاهرة للبعض كما قد تخفى عن البعض الآخر. هذه الظاهرة مهما قيل عنها لم ولن تكون عفوية بل المؤكد هنالك من هندس لها بصمت، وصبر، وأناة مما يستوجب على المختصين تحليلها تحليلا نفسيا اجتماعيا مع استقراء حوادث التاريخ بنظرة فلسفية من أجل الاستفادة من الظاهرة واستشراف المستقبل وتداعياتها على مستقبل الجزائر والمنطقة. المؤكد هذه الدراسة المطلوبة ستعزز طرح بعض النظريات الاجتماعية المطروحة سابقا كما قد تُسقط بعضها لانه ستثبت قصورها في تفسير الظاهرة الجزائرية اليوم.
وتبعا للمقال السابق فالأسئلة الآتية تبقى مطروحة: هل ما يحدث في الجزائر اليوم يعتبر المرحلة الثالثة لعصر الجماهير (عصر الجماهير III ). ماهي خصائصها والتي تفرقها عن ما هو قبلها؟ وماهي تداعياتها المستقبلية في الجزائر والمنطقة؟
سنحاول في هذه الاسطر الاجابة على شطر منها "مع العلم المسبق ان الامر يحتاج لبحث علمي ميداني حقيقي" ونترك الشطر الثاتي لمقالة لاحقة قد تكون غدا لنأتي بهذا الى نهاية المسيرة لتَرجع الامور الى نصابها من خلال تبني مؤسسات الدولة المختصة دورها بعد ان عطلتُه نِطاف ابناء فرنسا لعقود ويلتزم كل ذو حجم بالحجم الذي يليق به دون مزايدات على الرجال و دون الحاجة للتسويق الى انتصارات دنكيشودية!
هل ما يحدث في الجزائر اليوم يعتبر المرحلة الثالثة لعصر الجماهير (عصر الجماهير III )؟
اذا سلمنا بما تم تقديمه في المقال السابق و بإعتبار ان الثورة الفرنسية اسست لمفهوم عصر الجماهير كما فسره المفكر الفرنسي جوستاف لوبون من خلال توصيفه للثورة الفرنسية والتي اسقطت مفهوم حكم المطلق للأُسر الحاكمة والملوك مع تغول الكنيسة في فرنسا وأوربا ليبدأ معه مفهوم الجمهوريات وحكم الجماهير (عصر الحماهير I) فإن الثورة الجزائرية والثورة الفيتنامية ادخلت بعد ثاني في حراك الجماهير من خلال تأسيس الجيوش الشعبية والتي تُنشيء لا حقا مؤسسات سياسية وتفاوضية تجبر المستدمر للجلوس على طاولة التفاوض لتنتزع به إستقلالها العسكري وتؤسس بهذه الجيوش الشعبية مؤسسات منبثقة عنها في إدارة الدولة فحق لنا بإدخال البعد المؤسساتي ان نطلق على المرحلة السابقة (عصر الجماهير II)
ان الملاحظ بعين الباحث يعي ان الجماهير اليوم ادخلت بعد ثالث في حركتها لم يكن مطروح بالشكل السابق. ان البعد المقصود بالطرح هو Character Leadership او Leader of Character والتي يمكن ربما ترجمتها ب "القيادة الاخلاقية او القيادة من خلال القيم". ان الملفت للانتباه في هذا التحرك الجماهيري لم يكن فيه نواة قيادية مركزية مؤثرة واضحه بل كانت الجماهير مؤطرة بشكل وجداني نحو قيم جامعة كما حددتها وثيقة اول نوفمبر تريد الجماهير الوصول اليها من خلال الالتزام التام والانضباط الذاتي كما صنعته قيم الثورة التحريرية في وجدان الامة من خلال المدرسة الابتدائية في السنوات التي خلت. ان ادخال البعد الثالث القيادة الاخلاقية (القيادة بالقيم) كمفهوم قيادي لدى الجماهير منبثق من وجدان الامة وترسباتها الفكرية والتعليمية يسوقنا لان نطلق على هذه المرحلة (مرحلة الجماهيرIII)، بل اكثر من ذلك وما يعزز هذا الطرح ما ظهر مؤخرا من ردة فعل المجتمع النيوزيلاندي من جراء العملية الاجرامية والارهابية في حق 50 مسلم في مسجدين مختلفين أثناء إنتظار صلاة الجمعة لدليل آخر حول ظهور (عصر الجماهيرIII ) تسوقه القيادة الوجدانية للجماهير من خلال مفهوم القيادة من خلال القيم (هنا القيم الانسانية الفطرية) رغم كل الوسائل الاعلامية واللوبيات الصهيونية وجماعات الضغط في شيطنة المسلم والدين الاسلامي.
انه لمن المؤكد هذا التحول ستكون له تداعياته على المنطقة كما كانت هناك تداعيات في (عصر الجماهير II) والتي ادت الى استقلال كامل لافريقيا والدول المستعمرة من الهيمنة الاستعمارية.
كما تم ذكره سابقا انما هذه الورقة جاءت لتعطي تصور مبدئي على ما تم ملاحظته في الاونة الاخيرة حول المجتمع الجزائري والتي غدى ظاهرة اجتماعية واجبة الدراسة والتحليل، كما هي رسالة للمؤسسات المعنية في بناء الدولة الجزائرية الحديثة؛ كما يطمح بها المواطن الجزائري وما عبرت به وثيقة نوفمبر السيادية والتي طفت على الحراك الجماهيري بشكل واضح ومتميز مع صور الشهداء ممن دفعوا الثمن بدمائهم لتحقيق حلم الاستقلال وبصور علماء الجزائر كرمزية التوجه العام من أجل التأسيس لهذا الدولة المنشودة من خلال تحقيق مفهوم ميلاد مجتمع كما قدمه بالتحليل والتشريح المفكر مالك بن نبي ومفهوم الامن القومي بأبعاده الست والتي طرحت من سنة او أكثر خلت.
بهذا نكون وصلنا لنهاية ورقة اليوم لنترك للغد فسحة للتطرق الى خصائص عصر الجماهيري III و تداعياتها المتوقعة على جزائر المستقبل والمنطقة ككل.
هذا والله من وراء القصد وهو يهدي سواء السبيل.
لا غالب الا الله وستبقى الجزائر المحروسة محروسة بإذن الله ثم بسواعد الأشاوس من طينة مصطفى بن بوالعيد واخوانه رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جنانه
المجد والخلود لشهدائنا الابرار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شوهد المقال 685 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك