مخلوف عامر - الجيل الجديد والتاريخ المجهول
بواسطة 2017-11-23 01:26:15

د.مخلوف عامر
تُعدُّ الثورة الجزائرية معْلماً بارزاً في تاريخ القرن العشرين وامتدَّ تأثيرها إلى سائر حركات التحرُّر حتى قيل إن الجزائر قِبْلة الثوار. والفضل في ذلك يعود أساساً إلى أولئكم الشباب الذين قدَّموا صدورهم للرصاص ومنهم الطلبة الذين تركوا مقاعد الدراسة ليلتحقوا بالثورة.
فأمَّا الذين جعلوا من الثورة نموذجاً يُحْتذى، فلم يكونوا يكتفون بالبطولات التي حققها الجزائريون، بل نظروا إلى بُعْدها الإنساني حيث تعانقت مبادئ المناضلين من جنسيات مختلفة وامتزجت دماؤهم من أجل الحرية.
فهذه (جميلة بوباشا)تُسْجن وتُعذَّب، وتتكفَّل بالدفاع عنها (جيزيل حليميGisèle Halimi) بتفان منقطع النظير، وتجتذب إلى قضيتها كبار الأسماء والكُتَّاب من أمثال:(سيمون دي بوفوارSimone de Beauvoir)التي نشرت مقالاً بجريدة (Le monde)في جوان1960، فأثار ضجَّة في فرنسا وفي العالم، وأدَّى إلى تأسيس لجنة الدفاع عن (جميلة بوباشا).
وممَّا قالته (دي بوفوار): ((فحين يرضى حُكَّام بلد بأنْ تُقترف الجرائم باسمه، يصبح جميع المواطنين أبناء أمة مجرمة)).
ونشطت شبكة (فرنسيس جونسون)وقد وُصف أعضاؤها بـ"حملة الحقائب" على سبيل التحقير والسخرية من مناضلين نذروا أنفسهم لدعم الثورة، لأنَّ السلطة الاستعمارية اعتبرتهم خَوَنة.كما كتب الفيلسوف(جون بول سارتر) كتابه المثير :((عارُنا في الجزائر))يفضح فيه ممارسات السلطة الفرنسية.
فلم يكن هناك من فرْق بيْن (أحمد زبانة)و(fernand yveton)إذْ كلاهما أُعْدم بالمقْصلة.وتمَّ تعذيب (Henri Alleg )واستجوابه، كما جرى مع جميلة بوحيرد وجميلة بوعزة وجميلة بوباشا وغيرهم كثير.
.إنَّه العهد الذي كان فيه للالتزام معناه الإنساني العميق، فأمَّا مَنْ يتحدَّث اليوم عن الالتزام - ولو كان وطنياً- فإيُنظر إليه باستخفاف كبير.
الحديث يطول عن هذا الوجْه الغائب والمُغيَّب من الثورة، وما يُؤسف له أنَّ بريقها أخذ يخبو لدى الجيل الجديد،وكذا في الكتابة الأدبية، بعدما كانت –في الماضي القريب-مُتَّكأً مركزياً للذاكرة الوطنية.
فلا غرابة أنْ نصادف جامعيين –أساتذة وطلبة-لم يسمعوا أبداً (بجميلة بوباشا)ولا يعرفون ما إذا توُفِّيت أو هي على قيْد الحياة.وهل هي تحمل شهادة دكتوراه كما توزَّع اليوم سائر الشهادات؟ أمْ أنها كانت شابة تطمح فقط لأن تصبح فحَرَمها قمعُ المسْتعْمِر من تحقيق طموحها؟!
والسبب-فيما أرى-يعود أساساً إلى أنَّ النظام جعل من الثورة منذ الاستقلال رأسمالاً تجارياً لتكريس الرداءة والفساد، فأصبح الشاب العاطل- الذي لم يتلقَّ درْساً وافياً في التاريخ أو هو يفكِّر في "الحرْقة"-لا يقتنع بالخطاب الرسْمي ولو ركب الثورة، وهو يرى واقعاً مناقضاً تماماً لما كان يحلم به الشهداء من رفاق (العربي بن مهيدي)الذي قال يوْماً:
((ألقوا بالثورة في الشارع يحتضنها الشعب)).فاحتضنها حقّاً، لكنَّ هذا الشعب المخدوع، هو اليوم غارقٌ في مجرى "النهر المُحوَّل".
مَنْ لم يستطع أن يقرأ الكتاب، بإمكانه أن يشاهد الفيلم:((من أجل جميلة))
(Pour Djamila) un film réalisé par Caroline Huppert
شوهد المقال 2345 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك